عاجل
كتاب المنبر الحر

منظومة عالمية غير آمنة: حين تقود الولايات المتحدة العالم

المنبر الحر – بقلم: محمد مصطفى العضايلة (رئيس الهيئة العربية للبث الفضائي)

لطالما قدمت الولايات المتحدة الأمريكية نفسها على أنها حامية حقوق الإنسان، ومدافعة عن الديمقراطية، ورائدة في تحقيق العدالة والحرية في العالم. غير أن السياسات الفعلية التي تنتهجها إدارتها الجديدة وهي امتداد لنهج قديم متجدد تكشف عن تناقض واضح بين الشعارات والتطبيق، حيث باتت الإدارة الأمريكية تعتمد سياسة القوة والابتزاز في إدارة شؤون العالم، متجاهلة المبادئ التي طالما رفعتها.

وعلى مدى عقود، استخدمت الولايات المتحدة شعارات مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان كأدوات لتحقيق مصالحها الجيوسياسية، فتدخلت في شؤون الدول الأخرى بذرائع مختلفة، بينما دعمت أنظمة استبدادية تخدم مصالحها. وعند النظر إلى تعاملها مع الأزمات العالمية، نجد أن مواقفها تتغير وفقاً لمصالحها الاستراتيجية فقط، وليس بناءً على القيم التي كانت تتدعي أنها تدافع عنها.

أبرز مثال على هذا التناقض يظهر في سياستها تجاه إسرائيل، حيث توفر لها الحماية والدعم المطلق، بغض النظر عن الانتهاكات التي ترتكبها بحق الفلسطينيين.

في المقابل، تمارس واشنطن سياسة العقوبات والضغوط على دول أخرى بحجة انتهاك حقوق الإنسان، متجاهلة الجرائم التي تُرتكب في مناطق تتعارض مصالحها مع مبادئها المعلنة.

مع الإدارة الأمريكية الجديدة، أصبح النهج العدائي أكثر وضوحاً، حيث تتبنى الولايات المتحدة سياسة “إما معنا أو ضدنا”، مستخدمة العقوبات الاقتصادية، والحصار، والضغوط السياسية على الدول التي لا تتماشى مع أجندتها. في الوقت ذاته تستمر في تعزيز نفوذها العسكري في مناطق عدة، مما يزيد من زعزعة الأمن والاستقرار العالمي.

لم يعد هناك مجال للحديث عن نظام عالمي عادل أو مستقر، ما دامت واشنطن تتعامل مع العالم بمنطق الهيمنة بدلاً من التعاون، وتفرض إرادتها على الدول بدلاً من احترام سيادتها. إن هذا النهج لا يؤدي سوى إلى تصعيد التوترات، وإضعاف النظام الدولي، مما يجعل المستقبل أكثر غموضاً واضطراباً.

السياسة الأمريكية العدائية والمتناقضة ليست مستدامة، وهي تخلق حالة من الاستياء العالمي المتزايد، حتى بين حلفائها التقليديين. لقد بدأت القوى الصاعدة، مثل الصين وروسيا، في تشكيل توازن جديد للقوى، مما يهدد استمرار التفرد الأمريكي بقيادة العالم. وإذا استمرت واشنطن في تجاهل المتغيرات الجيوسياسية، فقد تجد نفسها في مواجهة واقع دولي جديد، حيث لم تعد “شرطياً” للعالم، بل مجرد قوة بين قوى متعددة، تفقد تدريجياً قدرتها على فرض إرادتها دون مقاومة.

وها نحن نشهد اليوم إمتداد العداء إلى الشرق الأوسط، وتحديداً الحلفاء التقليديين، مثل الأردن ومصر، بفرض حلول قسرية للقضية الفلسطينية على حسابهم. إمتداداً لخطة “صفقة القرن”، التي تتضمن مقترحات غير عادلة تسعى إلى تصفية القضية الفلسطينية، ومن بينها الحديث عن تهجير الفلسطينيين (الغزيين تحديداً كمرحلة اولى) إلى دول الجوار، الأردن ومصر. هذه السياسة القائمة على نهج “الابتزاز بدل الشراكة”، وإتباع سياسة الضغط الإقتصادي والسياسي لإجبار هذه الدول على الانصياع لهذه الرؤية حتى لو كان ذلك على حساب إستقرار هذه الدول الداخلي.

لعل هذا القرار والذي يتنافى مع جميع الأعراف الدولية والقوانين الإنسانية، يعتبر بمثابة إعلان حالة الحرب، وخروجًا عن المنطق والمعقول، لما يحمله من تداعيات كارثية على أمن واستقرار المنطقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!