لائحة أجور الأطباء و فقراء الاردن البؤساء
المنبر الحر – بقلم د. محمد العزة |
اعتبارا من صباح السبت السادس عشر من شهر تشرين الثاني لعام ٢٠٢٤ دخلت لائحة أو قائمة الأجور للأطباء الصادرة عن نقابتهم حيز التنفيذ، في خطوة أو قرار سيرفع نسبة الأجور على كشفية الطبيب بمختلف تخصصاته الى نسبة ١٠٠٪، هذا الارتفاع الذي لن يكون انتقائيا أو بشكل تصاعدي أو يراعي ويميز الفرق الطبقي، أو يأخذ بعين الاعتبار الوضع الاقتصادي الصعب الذي يمر به المواطن والوطن الاردني والمحيط العربي خاصة والدولي عموما جراء اثار الحدث والأحداث السياسية والعسكرية في المنطقة العربية والإقليمية والعالمية ، التي لمس ويلمس الجميع أثارها وظلالها التي ألقت إحمالها واعبائها على كاهل المواطن الأردني وكتفه ،التي أرهقت فكره وفتت عضده واوجعت خاصرته من تراكماتها وترسباتها وحاصرته من جميع جوانبه الأربعة، حيث أصبح المواطن يرزح تحت وطأة مطرقة اقساط رسوم الجامعات وشراء المواد الغذائية وحمى حرارة فاتورة الكهرباء والمياه والملابس والمرض الشهرية، ومصاريف ومطالب المستلزمات المدراسية اليومية وغيرها من ايجار المنزل والمواصلات.
كل ما ذكر هي لائحة نفقات ومصاريف للفرد والأسرة الأردنية اختلف حولها خبراء وعلماء الاقتصاد الاجتماعي الاردنيين في اعتمادها لتحديد خط الفقر في الاردن الذي تعددت فيه الروايات ليتراوح ما بين ٥٠٠ د إلى ٧٠٠ د للمواطن، وإذا ما افترضنا صحة هذا الرقم أو دقة قربه ومقاربته لواقع وحقيقة التكلفة المعيشية للمواطن الأردني، وإذا ما علمنا وليكن أننا افترضنا (والافتراض حتى نتيح حق الاعتراض على رأينا ووجهة النظر في هذا المقال) أن عدد والتعداد السكاني في الاردن هو ١١ مليون مواطن تشكل القوى العاملة منه ٣ مليون نسمة موزعين مابين القطاعين العام والخاص ويضاف لهم القطاع العسكري ، واذا ما أخذنا بعين الاعتبار عدد أفراد أسرهم ونضيف طلبة الجامعات سنجد أنهم يشكلون نصف التعداد السكاني، وحتى لا أفرط في الافتراض، فأنسف حجة النقد واظهار ضعفها (حجة النقد) في الاعتراض على قرار رفع الأجور الطبية، سنعتبر جميعهم تحت مظلة التأمين الصحي الحكومي والخاص، علما أن معدل رواتب الاغلب اذا لم يكن الأغلبية لهذه الشريحة يتراوح ما بين ٣٥٠ د إلى ٥٠٠ د في احسن الأحوال، اي أنهم من طبقة الفقراء والبؤساء ، ويتم اقتطاع رسوم التأمين الصحي من هذه الرواتب، لننتقل إلى القسم الآخر والنصف المتبقي الذي لا يستهان بتعداده، ولا يمكن تركه وشأنه دون نقاش أحواله، هؤلاء منهم عمال المياومة والمعطلين عن العمل وأصحاب المهن الحرفية واعضاء النقابات المهنية وقطاعات المشاريع التجارية والصناعية الصغيرة الذين لا يملكون اي نوع من التأمين بل هم خاضعين لخيارات التأمينات الصحية الفردية الاختيارية أو الإجبارية كما في النقابات لكن الأغلبية ليس لديهم الاستطاعة لدفع رسومها، هنا تلجأ هذه الأغلبية من البؤساء الفقراء (ومنهم أطباء وعشنا تجارب منهم) إلى تأمين الديوان الملكي الهاشمي الاردني العامر بيت الاردنيين للحصول على الإعفاءات، الذي لم يتأخر أو يتوانى عملا وانطلاقا من أصالة الشيم وخصال الكرم الهاشمي، لكنها زادت عليه الأعباء نتيجة ازدياد الصعوبات وتقلب الأجواء السياسية والاقتصادية وتداعياتها ومطالبها ، الأمر الذي يدفعنا إلى دعوة السلطتين النيابية التشريعية والحكومية التنفيذية إلى بحث ملف التأمين الصحي الشامل وأن تطلب الأمر فرض رسوم رمزية على المواطن والقطاعات لانه ملف يستحق العناء لأجل أغلبية البؤساء من أبناء شعبنا الاردني الذي طالما كان انسانه الأغلى، ذلك الشعار الذي أطلقه من احتفينا بذكرى ميلاده ٨٩ الراحل المغفور له الحسين بن طلال، والذي أكد و عزز هذا النهج خلفه الملك عبدالله الثاني بن الحسين عندما قال ” ندما يتعلق الأمر بتعليم وصحة المواطن الفقير فاني يساري مع اليسار”.
رسالة الفقراء البؤساء في هذا الوطن إلى أطباء الوطن في القطاع الخاص تحديدا، لا ننكر دوركم المهني الإنساني وحقكم في رفع مستوى عيشكم وحياتكم في صراعكم للبقاء في حيز الطبقة الوسطى التي تآكلت، لكن على أن لا يكون هذا القرار على حساب المواطن، حيث أنه لن يزيد دخلكم أو يحسن وضعكم، بل سيضعف قدرة المواطن على دفع كشفياتكم التي تضاعفت، (سيزداد الضغط على زملاء لكم في القطاع الحكومي المرهق اساسا)، وخرجت عن نطاق إمكانياته اذا ما اضفنا له فاتورة الدواء الذي وقف مجلس نقابة الصيادلة ونقيبها زيد الكيلاني آنذاك و ذات يوم في عام ٢٠١٨ في وجه رفع الضريبة على الدواء، وشكلوا حالة وطنية ورفعوا شعار (لا ضريبة على المرض)، إيمانا من دور النقابات المهنية في الدفاع عن حقوق المواطنين الخدماتية والمعيشية والمهنية كونها مؤسسات مجتمع مدني تتنفس من رئة الشارع ومنتسبيها هم شريحة من هذا الشعب، و أبدت معارضة لرفع الأسعار وقادت حراك وطني بامتياز ذلك الوقت، وجاء الانحياز الملكي لقرار ومطالب النقابة التي وقفت مع المواطن في وقفة شهد لها الوطن وكل من يمتلك الفكر والعقل وحس المسؤولية و يقظة الضمير.
العبرة أن لا نتنافس على من يرفع الأجور والاسعار على المواطن الأردني الفقير الذي أصبحت طبقته تشكل الأغلبية من المجتمع الأردني، العبرة تكمن في خفض الأسعار أو تحسين الأجور ومستوى المعيشة والقدرة الشرائية، كلها عناصر اذا ما اجتمعت يمكن البناء عليها ، لكننا اليوم نحرص في زيادة قوة “`البنيان“` ورفع حالة التضامن داخل المجتمع الأردني الذي نسعى أن يكون أقوى ليبقى الأغلى والاعز آمنا مطمئنا مستقرا.