الصمت العربي أمام التوسع الإسرائيلي.. إلى متى؟

المنبر الحر – بقلم: عوني الرجوب (كاتب وباحث سياسي)
على مدار العقود الماضية، تبنّت الدول العربية استراتيجيات متباينة في التعامل مع إسرائيل، تفاوتت بين المواجهة العسكرية المباشرة كما في الحروب العربية-الإسرائيلية، وبين التسويات السياسية التي منحت إسرائيل اعترافًا دون تحقيق مكاسب عربية حقيقية. ومع ذلك، لم يتوقف التوسع الإسرائيلي، بل ازداد ضراوة، ليشمل سوريا ولبنان، مهددًا الأمن القومي العربي برمّته. وفي المقابل، تواصل الدول العربية التزامها بالصمت، دون موقف موحد أو استراتيجية واضحة لردع هذا التوسع.
في ظل تكثيف إسرائيل لغاراتها داخل العمق السوري، وتزايد تدخلها العسكري والاستخباراتي في لبنان، يبرز التساؤل: لماذا لم نشهد ردًا عربيًا حاسمًا؟ يمكن تفسير هذا الصمت بعدة عوامل رئيسية:
الانقسام العربي الداخلي: أدى تباين المصالح السياسية بين الدول العربية إلى تفكك الموقف الموحد، مما جعل من المستحيل تقريبًا تبني رؤية مشتركة تجاه القضية الفلسطينية أو الأمن القومي العربي.
التبعية السياسية والاقتصادية للغرب: ترتبط العديد من الدول العربية بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة، الداعم الرئيسي لإسرائيل، مما يُقيّد قدرتها على اتخاذ مواقف قوية ضد التوسع الإسرائيلي.
الخوف من المواجهة العسكرية المباشرة: تمتلك إسرائيل تفوقًا عسكريًا وتكنولوجيًا هائلًا، مما يجعل خيار المواجهة مكلفًا في ظل غياب جبهة عربية موحدة قادرة على التصدي.
الأولويات الداخلية: تعاني العديد من الدول العربية من أزمات اقتصادية وسياسية حادة، مما دفعها إلى تركيز جهودها على قضاياها الداخلية، على حساب القضايا القومية الكبرى.
التوسع الإسرائيلي في سوريا ولبنان: خطر يهدد الجميع
لم تعد إسرائيل تكتفي بسيطرتها على الأراضي الفلسطينية، بل تعمل على تعزيز نفوذها العسكري والاستخباراتي في سوريا ولبنان، بهدف فرض واقع جيوسياسي جديد في المنطقة. تكثيف الغارات الجوية داخل الأراضي السورية، والاختراقات الأمنية والعسكرية في الجنوب اللبناني، يكشف عن استراتيجية إسرائيلية ممنهجة تسعى إلى:
إضعاف أي قوة عربية قادرة على مواجهتها مستقبلاً، من خلال استنزاف الدول المجاورة وإضعاف جيوشها.
فرض معادلات جديدة على المنطقة، من خلال السيطرة على مناطق استراتيجية، ما يعزز هيمنتها ويقلص نفوذ الدول العربية.
إعادة رسم خارطة التحالفات الإقليمية، لضمان بقائها القوة العسكرية المهيمنة دون أي تحدٍّ عربي حقيقي.
هل يمكن لسوريا وحدها مواجهة إسرائيل؟
في ظل هذا الواقع، يبرز التساؤل: هل يمكن لسوريا وحدها أن تتحمل مسؤولية التصدي لهذا التوسع؟ سوريا اليوم تمر بمرحلة إعادة بناء بعد سنوات الحرب، وتعاني من أعباء داخلية ضخمة، مما يجعل من الصعب عليها التصدي لإسرائيل دون دعم عربي حقيقي.
وفي الوقت ذاته، فإن ترك سوريا تواجه هذا العدوان بمفردها يُشكل خطرًا استراتيجيًا على الدول العربية الأخرى، لأن سقوط أي دولة أمام المشروع التوسعي الإسرائيلي يعني اقتراب الخطر من العواصم العربية تباعًا.
هل مصر والأردن في مأمن؟
- رغم أن مصر والأردن تجمعهما اتفاقيات سلام مع إسرائيل، إلا أن ذلك لا يعني أنهما بمنأى عن الخطر.
الأردن: تدرك المملكة أن تمدد النفوذ الإسرائيلي في سوريا ولبنان يُشكل تهديدًا مباشرًا على أمنها القومي، خاصة مع استمرار الاستيطان في الضفة الغربية، وطرح مشاريع مثل “الوطن البديل”، التي تُهدد الاستقرار الداخلي للأردن. - مصر: رغم التزامها باتفاقية كامب ديفيد، إلا أن مصر تعلم أن أي اختلال في ميزان القوى بالمنطقة سيمنح إسرائيل قدرة أكبر على فرض شروطها، سواء في ملف سيناء أو في مشاريعها الاقتصادية التي تهدف إلى تقويض الدور المصري الإقليمي.
متى يتحرك العرب؟
لم يعد مقبولًا أن يظل العرب في موقف المتفرج، بينما تواصل إسرائيل فرض أجندتها التوسعية. فالمطلوب الآن هو موقف عربي موحد، يستند إلى رؤية استراتيجية لمواجهة التهديد الإسرائيلي، ويتجاوز الحسابات الضيقة لكل دولة على حدة.
هناك خطوات عملية يمكن للدول العربية اتخاذها، أبرزها:
- تحرك دبلوماسي قوي: تصعيد الضغط السياسي على الساحة الدولية لوقف الاعتداءات الإسرائيلية، وإعادة القضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمام العالمي.
- تعزيز التعاون العسكري والأمني: تفعيل منظومة دفاع عربية مشتركة لمواجهة أي محاولات لاختراق الأمن القومي للمنطقة.
- فرض عقوبات اقتصادية على إسرائيل: استخدام الأدوات الاقتصادية للضغط على تل أبيب، بما يشمل مراجعة الاتفاقيات التجارية والاستثمارية معها.
- إعادة النظر في العلاقات مع الدول الداعمة لإسرائيل: خصوصًا الولايات المتحدة والدول الغربية التي تقدم دعمًا غير مشروط لإسرائيل، مما يُشجعها على التمادي في سياساتها العدوانية.
الخيار: المواجهة أو الاستسلام التدريجي
إذا لم تتحرك الدول العربية الآن، فإن إسرائيل ستواصل تمددها، دولة بعد أخرى، حتى يصبح الخيار الوحيد المتبقي هو المواجهة الشاملة، ولكن بعد أن يكون العرب قد خسروا كل مواقع القوة.
التاريخ يثبت أن الاستسلام التدريجي يؤدي في النهاية إلى الخسارة الكاملة. المطلوب ليس مجرد التحرك السياسي، بل إعادة إحياء مفهوم الأمن القومي العربي، وبناء تحالفات استراتيجية قادرة على وقف الزحف الإسرائيلي قبل فوات الأوان.
إسرائيل مستمرة في مشروعها التوسعي، وتتعامل مع الحكومات العربية وكأنها كيانات غير ذات تأثير في المعادلة. إذا لم يدرك العرب أن أمنهم القومي في خطر، فإن حلم “إسرائيل الكبرى”، الممتد من النيل إلى الفرات، لن يكون مجرد شعار، بل واقعًا مفروضًا على الجميع. وقد يتحقق ما دام الصمت العربي مستمرًا.
إلى متى يستمر هذا الصمت؟