استعادة الأموال المنهوبة لعائلة الأسد … المهمة الصعبة
المنبر الحر – عمان | تقرير خاص
استعادة الأموال المنهوبة لعائلة الأسد ورموز نظامه وقادة المليشيات من قبل السلطة الحاكمة الجديدة في دمشق ورموز المعارضة السورية بات ضرورة ملحة مع المعاناة الشديدة التي يعاني منها أغلب السوريين، وحاجة الاقتصاد السوري إلى كل دولار، لكن المهمة ثقيلة ومعقدة نظراً للحيل التي مارسها نظام بشار وعصابته لإخفاء الأموال المنهوبة وتهريبها لبنوك خارجية وتحويلها إلى أصول داخل الدول التي تحالفت معه أو دعمته خاصة إيران وروسيا والإمارات.
وعودة للوراء، فعلى مدى نصف قرن استطاعت عائلة الأسد ورموز نظامه وتجار الحرب والأزمات مراكمة الأموال الحرام وحصد الثروات المنهوبة من جيب الشعب السوري والتي سعت العصابة وبكل الطرق لتفقيره وإذلاله معيشياً وتحقيره حياتياً وإغراقه في الأزمات اليومية والمعيشية بل والمخدرات، حيث حقق بشار ثروة هائلة وأرباح طائلة من ازدهار تجارة المخدرات في سورية، وتهريب الكبتاغون المخدر للدول المجاورة بمساعدة شقيقه ماهر، وأبناء عمومته وقادة المليشيات وكبار المستثمرين الذين أشرفوا مباشرة على إنتاج وتسويق هذا النوع من المخدرات وتهريبه للأردن وتركيا والعراق ودول الخليج.
وفي الوقت الذي كان السوريون يعانون الأمرّين في الحصول على أبسط مقومات الحياة، رغيف خبز أو أنبوبة غاز طهي أو لتر بنزين وسولار خلال فترة حكم بشار الممتدة منذ عام 2000، كان الطاغية وعصابته يحصدون مزيداً من الأموال، ويجمعون ملايين الدولارات عبر إبرام الصفقات المشبوهة والعمليات غير المشروعة، وممارسة أنشطة الرشى والفساد وغسل الأموال والسمسرة في أصول الدولة، والحصول على حصة من القروض والمساعدات الخارجية سواء المقدمة من إيران أو روسيا أو بعض دول الخليج. بل والتكسب أيضا من آلام الشعب وقهره وانهيار العملة السورية الليرة التي فقدت نحو 150% من قيمتها منذ عام 2011.
ولأن هذا النظام البائد الذي انهار خلال أيام قليلة كان يعتبر أن كل ما على الأراضي السورية هو ملك لعائلة الأسد، كان لا يفوت أي فرصة في السمسرة في ثروات الدولة وفتات الشعب والتكسب من أزماته، عبر إجراء زيادات قياسية في كل أسعار السلع بما فيها الغذائية والحياتية والوقود، والخدمات العامة من مياه وكهرباء وطرق وكباري والرسوم الحكومية، كانت حصيلتها كلها تصب في جيب العصابة الحاكمة، ثم تأخذ طريقها إلى الخارج حيث الحسابات المصرفية المتخمة في البنوك الغربية وشراء المزيد من المعادن النفيسة والعقارات الفاخرة والسيارات الفارهة وغيرها من الأصول.
كما لم يفوت بشار وعصابته الفرصة في الحصول على عمولات عن كل صفقة سلاح يقتل بها شعبه، أو سمسرة عن بيع بنك أو شركة حكومية أحوج ما يحتاج السوريون إليها وإلى منتجاتها، أو منح ترخيص شركة هاتف نقال لواحد من المقربين منه، أو لقريب من أسماء الأسد صاحبة الكلمة العليا في إدارة المشهد الاقتصادي والمالي طوال ما يقرب من ربع قرن، أو بيع موقع إنتاج فوسفات ونفط وغيرها من ثروات الدولة التي ساعد بشار المحتل في السطو عليها والتفريط بها بأبخس الأثمان.
وفي الوقت الذي كان بعض السوريين يأكلون أوراق الشجر في المناطق المحررة، وكان نحو 13 مليون سوري يعانون من نقص حاد في الغذاء، وكان الأطفال يموتون من الجوع في القرى المحاصرة من قبل قواته، كان بشار وعائلته يحولون ملايين الدولارات لحساباتهم المصرفية في البنوك الغربية والعقارات الأوروبية، أو يخبئونها في جزر البهاما وغيرها من الملاذات الضريبية الخارجية، أو في العديد من الأرصدة ومحافظ العقارات والشركات والأسهم والسندات.
وفي الوقت الذي كان متوسط راتب الموظف السوري نحو 150 ألف ليرة، أي ما يعادل أقل من عشرة دولارات، حسب سعر صرف السوق غير الرسمية، فقد تمكَّن بشار من دخول نادي المليارديرات بثروة هائلة تبلغ نحو ملياري دولار، بحسب تقرير أعدَّته وزارة الخارجية الأميركية في عام 2022.
في حين تقدر مصادر أخرى الثروة بأكثر من ذلك، خاصة أن العائلة تمكنت طوال سنوات طويلة من إخفاء تلك الأموال، وأن جزءا من تلك الثروة تم تهريبه إلى روسيا ودول أخرى قبل سقوط بشار ونظامه وحزبه فجر يوم الأحد.
الفساد في أسرة الأسد متجذر وممتد لفترة تزيد عن نصف قرن من الزمان، فقد نهب حافظ وشقيقه رفعت ثروات السوريين قديماً، وتردد أنه قبض ثمن بيع هضبة الجولان للإسرائيليين، وحديثا فإن قائمة أسماء الناهبين واللصوص وغاسلي الأموال القذرة داخل نظام الأسد كثيرة.
أسماء الأسد من أبرز تلك الأسماء فقد كان لها الكلمة الأولى في إبرام الصفقات، وإدارة أموال صندوق سورية للتنمية، الذي أسسته عام 2001، وكانت تمارس نفوذاً كبيراً على اللجنة الاقتصادية التي تدير الأزمة الاقتصادية المتلاحقة في سورية؛ وكانت تقف وراء القرارات الحكومية المتعلقة بمقدار الدعم الموجه للغذاء والوقود والتجارة وقضايا العملة. ومن كل تلك المواقع كانت تحصد ملايين الدولارات.
أيضا هناك ماهر الأسد، شقيق بشار، قائد الفرقة المدرعة الرابعة والذي كان يمتلك استثمارات في أنشطة حيوية مثل المقاولات والهندسة والطاقة والسياحة وتكنولوجيا المعلومات من خلال مجموعة تيلسا. وكان يدير شبكة متورطة في أنشطة مالية غير مشروعة.
وهناك ورامي مخلوف ابن خال بشار، وأحد أغنى رجال الأعمال في النظام البائد، وكان في وقت من الأوقات يتحكم في حصة كبيرة من الاقتصاد السوري والصفقات الكبرى، وكان رجال الأعمال يخطبون وده للحصول على بعض الصفقات. وتقدر ثروته بنحو 16 مليار دولار وفق مصادر في المعارضة، وقبل سقوط الأسد بأيام أعلن عن تبرعه بنحو 50 مليار ليرة سورية للجيش، وبما يعادل 1.5 مليون دولار.
وهناك إيهاب مخلوف الأخ الأصغر لرامي، ورياض شاليش ابن عمة بشار ومدير منظمة البناء الحكومية مؤسسة الإسكان العسكري، الذي حقق ثروة كبيرة من صفقات البناء والمقاولات، وكان من أبرز الممولين لنظام بشار في قمع المحتجين على نظام الأسد خلال الثورة. وهناك ابن عم أسماء الأسد مهند الدباغ وشقيقها فراس الأخرس اللذان كانا يديرا صفقات عدة منها شركة برنامج البطاقة الذكية الإلكترونية المستخدمة لتوزيع المواد الغذائية المدعومة في الدولة.
عصابة بعضها من بعض نهبت سورية طوال نصف قرن، وتركت الشعب يواجه الفقر والبطالة والعشوائيات وتردي الخدمات العامة وغلاء الأسعار وتهاوي العملة ومستقبل غامض وتحديات صعبة تنوء بها الجبال الراسيات.