عاجل
سوريا

“احتقان قابل للانفجار” في سوريا

المنبر الخر – الحادثة الأمنية التي شهدتها مدينة جبلة بريف محافظة اللاذقية السورية يوم الثلاثاء لا يعتبرها خبراء ومراقبون “عابرة”، وفي حين لا يستبعدون أن تليها حوادث أخرى ومشابهة يضعون الأسباب المحفزة لذلك ضمن عدة مسارات.

ترتبط إحدى هذه المسارات بعامل أمني، وتذهب أخرى باتجاه الحالة التي عرفت بها مناطق الساحل السوري على مدى عقود مضت قبل سقوط نظام الأسد.

وتبرز مسارات أخرى تتعلق في الأساس بالحالة التي تعيشها البلاد الآن، في ظل غياب المشهد الذي ستكون عليه على الصعيد السياسي والاجتماعي.

تمثلت الحادثة بإقدام زعيم ميليشيا سابق في نظام الأسد المخلوع على أسر عدة عناصر من “إدارة العمليات العسكرية”، ومن ثم التهديد “بذبحهم بالسكاكين” في حال لم تنسحب الأخيرة من الساحل السوري في غضون خمس دقائق.

ورافق توثيق عملية الأسر إعلان الإدارة الجديدة في دمشق عن مقتل اثنين من عناصرها وإصابة آخرين، مما اضطرها لبدء حملة أمنية واسعة النطاق انتهت بمقتل زعيم الميليشيا (بسام حسام الدين)، والإعلان عن تحرير العناصر الأسرى.

تقول السلطات الأمنية التابعة للإدارة الجديدة، منذ أسابيع، إنها تنفذ حملات تمشيط في عدة مناطق في البلاد، بينها الساحل السوري، بغرض إلقاء القبض على ما تصفهم بـ”فلول نظام الأسد”.

ولم تبدأ هذه الحملات دون سابق إنذار، بل سبقها إطلاق مسار “تسوية” للعناصر الأمنيين والعسكريين في نظام الأسد المخلوع، مع تأكيد السلطات الجديدة على ضرورة الانخراط فيها كي لا يتعرض الرافض لها لأي مساءلة.

ولا يعرف حتى الآن ما إذا كان “مسار التسوية” يحقق النتائج المرجوة منه، خاصة أن الكثير من رجالات الأسد الأمنيين الكبار والصغار ما زالت وجهتهم غير معروفة.

يقدر الكاتب والصحفي، عبد الحميد توفيق، أعداد هؤلاء، مضيفا إليهم “أمراء الحرب”، بما يقارب من 200 ألف شخص.

ويقول لموقع “الحرة”: “هذه الفئات لديها أيضا سلاح موجود ولا أحد ينكره في مناطق الساحل السوري”.

وربما تحظى أيضا بدعم من دول مثل إيران وما تبقى من فلول حزب الله على حدود طرطوس وحمص، في الهرمل وبعبلك، بحسب توفيق.

هل حادثة جبلة عابرة؟

بسام حسام الدين الذي استهدف عناصر “إدارة العمليات العسكرية” قبل مقتله هو اسمٌ مألوف كثيرا في منطقة الساحل السوري.

ويعرّف نفسه منذ سنوات كقيادي ضمن “قوات النمر”، الذي كان يقودها اللواء في جيش نظام الأسد، سهيل الحسن.

بعد سقوط نظام الأسد، خرج حسام الدين بتسجيل مصور من منزله “مباركا انتصار الثورة السورية والجيش السوري الحر”، لكنه في المقابل أطلق تهديدات قاصدا التداعيات الحاصلة للحملات الأمنية.

وعندما نفذ عملية الأسر، الثلاثاء، ووثق ذلك بتسجيل مصور حرض أبناء الطائفة العلوية على مهاجمة عناصر “إدارة العمليات العسكرية”، كما طالب بـ”حكم ذاتي” لمنطقة الساحل، وهو أمر تردد مؤخرا من قبل شخصيات.

وقيل تارة إن هذه الشخصيات مشايخ أو وجهاء من أبناء الطائفة في منطقة الساحل، الأمر الذي أثار جدلا خلال الأيام الماضية، ودفع كتاب وصحفيين من هناك للتشكيك بحقيقة تمثيل هؤلاء للعلويين ككل.

ولا يعتقد الباحث في شؤون جماعات ما دون الدولة، عمار فرهود، أن حادثة جبلة “عابرة”، وفي ذات الصدد لا يعتقد أيضا أنها “ستتكرر كثيرا في المستقبل”.

ومع ذلك يشير فرهود، في حديثه لموقع “الحرة”، إلى أن مسوغات حدوث مثل هذه الحوادث مرة أخرى متوفرة.

ويضيف: “قد نشهد شيء شبيه بهذه الحادثة ليس فقط في الساحل السوري، وإنما في جغرافيات سورية أخرى، في ظل العملية الانتقالية التي تمر بها سوريا”.

ويعتبر الكاتب والصحفي توفيق أن الحادثة ذاتها “كانت متوقعة”. ويعتقد أنه “ربما تكون أكثر اتساعا ودموية في المرحلة المقبلة لسببين”.

أولى الأسباب التي يستعرضها توفيق، هي أن مناطق الساحل السوري “لاتزال تحتضن كثيرا من فلول النظام السابق”.

أما السبب الثاني فيذهب باتجاه “غياب الطمأنينة وهو سبب أكثر خطورة، لأنه يمكن أن يصبح عنصر تحفيزي للعامل الأول.. أي فلول الأسد”.

من هم الفلول؟

“الفلول” هو مصطلح ليس بالجديد ويقصد به بقايا المجموعات التي كانت تعتاش على عمليات الابتزاز والسرقة.

ويتابع الباحث فرهود أن “هذه المجموعات كانت تعمل تحت مظلة الأجهزة الأمنية والعسكرية والسياسية في زمن نظام الأسد البائد”.

لا يقتصر انتشار هذه المجموعات على مناطق الساحل السوري فقط، بل لها انتشار في عموم المناطق السورية، وهو ما يشير إليه سياق الحملات الأمنية التي تنفذ ضدهم.

في حمص وسط البلاد، استهدفت السلطات الأمنية التابعة لإدارة دمشق الفلول هناك، على الأسابيع الماضية.

وبعد حادثة جبلة الثلاثاء، أعلنت السلطات، صباح الأربعاء، أنها بدأت تنفيذ حملات جديدة في منطقة دمر بالعاصمة السورية دمشق.

رغم أن الحملات تشمل عموم المناطق، فإنها تحظى بحالة “استثنائية” في الساحل. ويقف وراء ما سبق عدة أسباب، بحسب الكاتب توفيق.

يوضح توفيق أن “شريحة الفلول في الساحل (تشمل عسكريين، أمنيين، أمراء حرب) كانت في السلطة منذ 60 عاما. عاشوا كأبناء سلطة وانتقلوا بعد 2011 إلى مفهوم الاستيلاء”.

لكن سقط نظام الأسد فجأة وانتهى كل شيء!

يتابع توفيق: “هم ليسوا مجتمعا علويا. بل عسكر وأمراء حرب وكثير منهم لديه الاستعداد للانخراط تحت يافطة: نحن مهددون بالقتل والاستئصال”.

“ستبقى كبرميل بارود”

ويعتقد الباحث فرهود أن أبرز أسباب حادثة جبلة هو “رغبة المنفذين بالانتقام من السلطة الجديدة بحكم أنهم أبناء السلطة القديمة”.

وهناك سبب آخر يتعلق بمحاولة “ضرب سردية السلطة الجديدة التي تقوم على أنها قادمة لبسط الأمن والاستقرار في سوريا.. وهذه العمليات ستظهر عدم قدرتها على ذلك”.

كما يشير ذلك الباحث إلى محاولة لـ”ممارسة ضغط على السلطة الجديدة لتحصيل أكبر قدر ممكن من الفائدة على المستويات الشخصية، وكذلك المناطقية”.

خلال الأيام الماضية برزت في مناطق الساحل السوري وجهتا نظر، الأولى، أيدت الحملات الأمنية التي تلاحق الفلول لكنها انتقدت في المقابل الانتهاكات المرافقة لها، والتي استهدفت مدنيين أبرياء.

وذهبت الثانية باتجاه إطلاق دعوات لـ”حماية دولية” من قبل دول، بينها فرنسا، الأمر الذي اعتبرته شخصيات من الطائفة مرفوض ويزيد من حالة الشرخ الحاصلة.

يؤكد الكاتب توفيق أن مسألة حادثة جبلة وما سبقها “ستبقى كبرميل بارود”.

ويقول إنه “لا يجب أن يتم التعاطي معها ضمن حدود المنتصر والمهزوم”.

الكاتب ذاته يشير أيضا إلى أن “عدم وجود طمأنينة لدى الطائفة العلوية قد يكون سببا إضافيا وراء حصول الحوادث”.

ويضيف: “ليس كل من يتبع للطائفة العلوية يعني أنه ارتكب جرما”، ويردف: “في المقابل هناك عشرات الآلاف من الضباط والعسكريين والأمنيين ما زالوا في جبال الساحل السوري”.

“احتقان قابل للانفجار”

 

ولايزال مسار “التسوية” الخاص بعناصر النظام المخلوع قائما حتى الآن.

في المقابل، تثار تساؤلات حول المصير المتعلق بمن انخرط “بالتسوية”، وأولئك الذين “تلطخت أيديهم بالدماء”. من عسكريين ومدنيين.

ويعتقد الباحث السوري فرهود أن حادثة جبلة والظاهرة المتعلقة بها “تظهر تحديات جديدة للسلطة”.

ترتبط هذه التحديات بـ”مدى قدرتها على تحقيق سرديتها”.

ويقول الباحث: “وبالتالي تكرار هذه الظاهرة مرتبط بشكل وثيق في قدرة السلطة الجديدة على النجاح في مكافحة هذه الظاهرة”.

أما فيما يخص التسويات، يتوقع فرهود أنها “تحق نجاحا متقدما في ذلك”.

وعامل النجاح مرده أن “الحالة الغالبة في المجتمعات الحاضنة للنظام سابقا تيقنت الآن أن تحقيق أي مكسب لهم هو أمر جيد وأن المواجهة الشاملة مع السلطة لن يأتي بثمار أبدا”.

ورغم ما سبق، يؤكد الباحث أن “الوقت هو الوحيد القادر على أن يثبت بأن عملية التسوية التي تتم قادرة على تحقيق النجاح الاستراتيجي المتمثل ببسط الأمن والاستقرار”.

“ما حصل في جبلة مؤشر على وجود كبير خلايا قد تكون تعمل أو تخوض عمليات تدريب وتتواصل مع جهات خارجية”، على حد تعبير الكاتب توفيق.

وتثبت هذه العوامل بحسب قوله أن “الاحتقان في مناطق الساحل قابل للانفجار في أي لحظة لكن بشكل متدرج”.

وقد يسفر هذا التدرج عن تراجع السلطة الجديدة أو تباطؤها في بلورة قواسم مشتركة مع الطائفة العلوية وإعطائها طمأنينة على أنها “جزء من الوطن والتشاركية”.

وتحدث كثيرون خلال الأيام الماضية أن نظام الأسد ترك الطائفة في وضع صعب.

ورغم أن عدة شخصيات دينية تولت مهمة إطلاق الدعوات واتخاذ المواقف إلا أن توفيق يرى هذه الحالة “غير حميدة”.

ويضيف: “يجب التعامل مع النخب التي تكون قادرة على بلورة أجسام سياسية لا على النخب والوجوه الدينية. وهذا لا يشمل فقط العلويين بل جميع الطوائف والمكونات في سوريا”.

—————————————

www.almenberalhor.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!