العفو الذي أطلقه عباس: المسمار الأخير في نعش القضية الفلسطينية

المنبر الحر – بقلم: د. عوني الرجوب (الكاتب والباحث السياسي)
في خطوة أثارت جدلًا واسعًا، أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس مرسومًا بالعفو عن المفصولين من حركة فتح، وهو ما اعتُبر تمهيدًا واضحًا لعودة القيادي السابق في الحركة محمد دحلان إلى المشهد السياسي الفلسطيني.
هذه الخطوة ليست مجرد إجراء إداري أو تصالحي داخل الحركة، بل تحمل في طياتها دلالات استراتيجية تؤثر على مستقبل السلطة الفلسطينية، وتعيد رسم خارطة القوى السياسية وتفتح الباب أمام صراع جديد داخل فتح وبين الفصائل الفلسطينية المختلفة.
عودة دحلان: مناورة أم خطة محكمة؟
لا يخفى على أحد أن دحلان كان ولا يزال شخصية مثيرة للجدل داخل الساحة الفلسطينية، فهو من أكثر القيادات الفتحاوية إثارة للخلافات، ويفتعلها بين الحين والآخر نظرًا لمواقفه السياسية وتحالفاته الإقليمية والدولية.
لطالما واجه دحلان اتهامات بالتعاون مع الاحتلال الإسرائيلي والمخابرات الأمريكية، فضلًا عن دوره المثير للجدل في أحداث الانقسام الفلسطيني عام 2007، عندما شهدت غزة مواجهات دامية بين فتح وحماس انتهت بسيطرة الأخيرة على القطاع.
وبحسب المعطيات الحالية، فإن العفو الذي أصدره عباس قد يكون موجهًا بشكل رئيسي لتمهيد عودة دحلان إلى السلطة، بل وربما شق طريقه ليكون خليفة محتملاً لعباس.
وبدعم أميركي اسرائيلي هذه العودة – إن تحققت- ستعيد خلط الأوراق داخل فتح، التي تشهد صراعات داخلية حادة، كما ستؤدي إلى توترات جديدة بين السلطة والفصائل الفلسطينية الأخرى، خاصة حركة حماس والجهاد الإسلامي.
الصدام المتوقع: جبريل الرجوب قلعه عصية في مواجهة دحلان
في حال عاد دحلان إلى الضفة الغربية لممارسة دوره السياسي، فإنه سيواجه تحديات ضخمة وأبرزها رفض عدد كبير من قيادات فتح لعودته، وعلى رأسهم الفريق جبريل الرجوب، أحد أبرز الشخصيات الفتحاوية وأكثرها نفوذًا داخل الحركة.
الرجوب يتمتع بشعبية واسعة في الضفة الغربية، ويحظى باحترام كبير داخل فتح وحتى بين بعض الفصائل الفلسطينية المعارضة، نظرًا لمواقفه المتوازنة وعدم انخراطه في سياسات الإقصاء أو المواجهات العنيفة والفريق الرجوب هو القلعه المحصنة والقويه التي يخشاها دحلان ويخاف حتى من النضر اليها
على النقيض، يُنظر إلى دحلان على أنه شخصية مدعومة إسرائيليًا وأمريكيًا وإماراتيًا، ويُتهم بأنه يسعى لخلافة عباس بتوجيهات خارجية وليس بناءً على إرادة فلسطينية داخلية، لذلك فإن أي محاولة منه للعودة إلى السلطة ستواجه عقبات ضخمة، أبرزها المعارضة الشديدة من قيادات فتح التاريخية، وعلى رأسهم الرجوب، الذي يملك نفوذًا سياسيًا وعشائريًا لا يمكن الاستهانة به.
الرجوب ودحلان لا يلتقيان سياسيًا ولا فكريًا، بل إن الصدام بينهما يكاد يكون حتميًا، دحلان يمثل التيار الذي يسعى لتقديم تنازلات كبيرة للجانب الإسرائيلي والإقليمي، بينما الرجوب يُعرف بمواقفه الوطنية المتشددة، رغم أنه جزء من منظومة السلطة التي تضطر للتعامل مع الاحتلال بحكم الأمر الواقع.
دحلان والاحتلال: علاقات مشبوهة تهدد القضية الفلسطينية
لا يمكن تجاهل أن إسرائيل تنظر إلى دحلان كشريك محتمل أكثر مرونة من القيادات الفتحاوية الأخرى، فبينما تعاني تل أبيب من مواقف جبريل الرجوب المتشددة نسبيًا، فإن دحلان يُعتبر شخصية “قابلة للتفاوض” بالنسبة للإسرائيليين والأمريكيين على عكس شخصية الرجوب المتشددة.
دحلان لديه شبكة علاقات إقليمية ودولية واسعة، فهو مدعوم بقوة من الإمارات، ويُقال إنه يحظى بدعم أمريكي وإسرائيلي غير معلن، وإذا ما نجح في الوصول إلى السلطة، فمن المتوقع أن يكون أكثر انفتاحًا على المشاريع السياسية التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، مثل “صفقة القرن” التي سبق أن روجت لها إدارة ترامب.
كما أن دحلان، بحكم تحالفاته الإقليمية، قد يلعب دورًا رئيسيًا في تمرير صفقات اقتصادية وأمنية قد تؤدي إلى مزيد من التبعية الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلي، مما سيقضي فعليًا على أي فرصة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
السيناريوهات المحتملة: من الأقوى؟
الصراع بين دحلان والرجوب قد يأخذ أشكالًا متعددة، لكن السيناريوهات الأكثر احتمالًا هي: صراع داخلي داخل فتح: قد يؤدي عودة دحلان إلى انقسام حاد داخل الحركة، حيث سيجد نفسه في مواجهة شرسة مع قيادات تاريخية ترفض عودته، وعلى رأسها الرجوب، هذا الصراع قد يؤدي إلى مزيد من الانقسامات داخل فتح، وربما إلى تشكيل تيارات متنافسة داخلها.
تحالف دحلان مع قوى خارجية ضد قيادات فتح التقليدية: إذا فشل دحلان في فرض نفسه داخل فتح، فقد يلجأ إلى التحالف مع أطراف إقليمية ودولية لدعمه سياسيًا واقتصاديًا، مما سيؤدي إلى مزيد من التدخلات الخارجية في الشأن الفلسطيني.
مواجهة بين دحلان والفصائل الفلسطينية الأخرى: عودة دحلان ستُقابل برفض شديد من حماس والجهاد الإسلامي، مما قد يؤدي إلى تصعيد سياسي وأمني في الضفة وغزة.
في حال وجد الرجوب أن الصراع سيؤدي إلى شرخ كبير داخل فتح، والفصائل الفلسطينية من جهة وأزلام دحلان من جهة اخرى الرجوب قد يفضل الانسحاب أو عدم الترشح لموقع الرئاسه، حفاظا على اراقة الدماء الفلسطينية فقط مما سيترك الساحة مفتوحة أمام دحلان، ولكن هل يفعلها الفريق الرجوب ويتنحى؟ وهذا السيناريو، في حال حدوثه، سيكون مقدمة لمرحلة جديدة من السيطرة المطلقة لدحلان على السلطة الفلسطينية، بدعم من الخارج.
إن السماح بعودة دحلان إلى السلطة يعني، في نظر الكثيرين، نهاية المرحلة النضالية في القضية الفلسطينية، وبداية مرحلة جديدة من التفكك والانقسامات الداخلية التي ستقضي على أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
في المقابل، يبقى جبريل الرجوب أحد آخر الحصون القوية داخل فتح، لكن السؤال المطروح: هل سيخوض معركته السياسية حتى النهاية، أم أنه سيفضل عدم الدخول في مواجهة مباشرة مع دحلان لتجنب الانقسام؟
ما هو مؤكد أن الأيام القادمة ستكون حاسمة في تحديد مستقبل القيادة الفلسطينية، وإذا ما كان دحلان سيعود بالفعل إلى المشهد أم أن معارضيه، وعلى رأسهم الرجوب، سيمنعونه من تحقيق هذا الهدف.
ما رأيك، هل تعتقد أن الرجوب قادر على منع دحلان من الوصول إلى السلطة، أم أن النفوذ الإقليمي والدولي سيلعب دورًا حاسمًا في إعادة تشكيل القيادة الفلسطينية؟ نعم الرجوب قادر على منع دحلان من وصوله للسلطه لا بل قادر من منعه دخول الظفة كلها لكنه يخشى من الدعم الاميركي والاسرائيلي الذي يحظى به دحلان ومن الضغوطات العربية ان مورست ضد الرجوب ورغم ذلك لا يمكن ان يكوون دخول دحلان للسلطة سهلا للغاية.. نشاهد ونراقب ونرى ما سيحدث.