عاجل
كتاب المنبر الحر

العلاقة بين الأردن وفلسطين تمتد لعقود طويلة

هي علاقة تاريخية وإنسانية متجذرة في عمق الأحداث التي عصفت بالمنطقة

المنبر الحر – هيلدا عجيلات |

منذ نكبة فلسطين عام 1948، كان الأردن الملاذ الآمن للفلسطينيين الذين شُرّدوا من أراضيهم بفعل الاحتلال، حينها استقبل الأردن مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين، ووفّر لهم ليس فقط المأوى، بل الحقوق الأساسية والحماية الكاملة، فكان وطنًا ثانيًا لهم في وقت كان كثير من الدول تغلق أبوابها أمامهم!

على مدى السنين، لعب الأردن دورًا كبيرًا في الدفاع عن القضية الفلسطينية في المحافل الدولية، وحرص على حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس تحت الوصاية الهاشمية، فلم يكن مجرّد محطة مؤقتة، بل قدّم دعمًا مستمرًا للفلسطينيين، مؤكدًا التزامه الثابت بحقهم في العودة واستعادة أراضيهم المسلوبة، وفي الوقت نفسه، دمج الأردن اللاجئين الفلسطينيين في مجتمعه، مُظهرًا حسًّا عميقًا بالمسؤولية الإنسانية والأخلاقية.

رغم ذلك، وبدلًا من تقدير هذا الدور، نجد أن بعض الأطراف والأبواق تسعى لطعن الأردن في ظهره، هؤلاء الأفراد والجماعات يقدّمون ولاءهم إلى قادة أو قوى خارجية على حساب مصلحة الأردن العليا واستقراره، فلا يرون في الأردن وطنًا لهم، بل يعتبرونه وثيقة مرور لتحقيق مصالحهم، والأسوأ من ذلك، أن بعضهم يحاول تكرار سيناريوهات الدمار التي شهدناها في منطقتنا العربية، مثل لبنان وسوريا والعراق واليمن، حيث استخدمت إيران نفوذها لتحويل هذه الدول إلى أدوات ودروع بشرية تخدم مشاريعها التوسعية في المنطقة، تحت غطاء دعم المقاومة والدفاع عن الأقصى وتحرير القدس.

إيران استغلت القضية الفلسطينية، وحجج الدفاع عن القدس لتبرير تدخلاتها في الدول العربية، مستغلة الميليشيات المسلحة والأدوات السياسية لتحقيق أطماعها التوسعية. في العراق، استثمرت ضعف الدولة بعد الغزو الأمريكي لبسط سيطرتها عبر وكلائها. وفي سوريا، دعمت النظام للحفاظ على وجودها العسكري والسياسي. وفي لبنان، فقد سيطر “حزب الله” على القرار الوطني، محولًا البلاد إلى ساحة نفوذ إيراني، بينما يتذرع بالدفاع عن فلسطين، أما في اليمن، زاد الصراع بين الحكومة والحوثيين المدعومين من إيران، مما أدى إلى دمار واسع وأزمة إنسانية كبيرة.

هذه الاستراتيجية الإيرانية تسعى إلى تحويل دول المنطقة إلى أدوات لخدمة مشروعها، متجاهلةً تمامًا مصالح هذه الدول واستقرارها. الخطر هنا أن بعض الأطراف في الأردن تحاول تكرار هذا السيناريو، وهو ما يرفضه الأردن بشدة. الأردن، بقيادة الملك عبد الله الثاني، أثبت مرارًا أنه لن يسمح بأن يُستخدم كأداة لأي مشروع خارجي أو أن يتحول إلى ساحة لصراعات إقليمية.

الأردني، بغض النظر عن أصله أو فصله، هو مواطن له حقوق وعليه واجبات، وهذا هو أساس المواطنة في الأردن، وهو مبدأ لا يقبل التفاوض. من لا يعجبه هذا الوضع، ومن لا يرى في الأردن وطنًا له، فليبحث عن وطن آخر يناسبه. الأردن لن يكون حاضنًا لمن لا ولاء له ولا انتماء، ومن لا يقدّر قيمة الوطن الذي احتضنه في أوقات الشدة، لن يفقد شيئًا من وطنه الأصلي، لأنه لم يتعلم قيمة الأرض والكرامة.

في الختام، يظل الأردن الملاذ الآمن لكل من يلجأ إليه، لكنه لن يسمح بأن يتحول إلى ساحة لتحقيق مصالح الآخرين. من أراد الدفاع عن الأقصى، عليه أن يفهم أن الأردن كان ولا يزال أحد أكبر المدافعين عن القدس، ولكن ليس على حساب أمنه واستقراره، أو ليصبح أداة في مخططات خارجية. هذا الوطن يستحق الولاء الصادق والانتماء الحقيقي، ولا مكان فيه لمن لا يقدر قيمة الانتماء.

احفظوه ليبقى حصناً منيعاً أمام الأعداء.

هيلدا شفيق عجيلات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!