“خلافات عميقة”.. سويسرا تلغي مؤتمراً عن فلسطين

المنبر الحر – أعلنت وزارة الخارجية السويسرية، الخميس، إلغاء مؤتمر الأطراف السامية المتعاقدة في اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية الأشخاص المدنيين في أوقات الحرب، والذي كان مقرراً عقده، الجمعة، في جنيف، مشيرة إلى وجود “خلافات عميقة” بين الدول الـ193 المدعوة للمشاركة بشأن صيغة مسودة البيان الختامي.
وقالت الخارجية السويسرية في بيان، إنها “لاحظت عدم تسجيل العدد الكافي من الدول” للمشاركة في المؤتمر، لافتة إلى أنها “تستنتج أن الأطراف السامية المتعاقدة تفتقر إلى الإرادة اللازمة لعقد المؤتمر، وبالتالي لن يُعقد”.
وبرزت الاعتراضات العميقة على مضمون مسودة البيان بشكل خاص من فلسطين، تساندها كتلة الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي (OIC)، والدول العربية، إضافة إلى دول أخرى من أميركا الجنوبية وآسيا وإفريقيا، ما أدى للوصول إلى “طريق مسدود”، وعدم القدرة على التوصل إلى توافق في الآراء.
The conference on the implementation of the 4th Geneva Convention in the Occupied Palestinian Territory, mandated by the #UNGA, will not take place.
Due to a lack of consensus among High Contracting Parties, 🇨🇭, as the depositary state, has decided not to convene it.@swiss_un
— Swiss MFA (@SwissMFA) March 6, 2025
وتعود جذور الخلافات، إلى وجهات نظر متباينة بشأن كيفية معالجة سويسرا لمسودة البيان الختامي، الذي اطلعت “الشرق” على نسخة منه، إذ أبدت عدة دول ومن بينها فلسطين تحفظات جوهرية عليها، باعتبارها “لا تعكس بما يكفي خطورة الوضع على الأرض، ولا تتضمن تدابير عملية لضمان امتثال إسرائيل لاتفاقية جنيف الرابعة”.
وقال مندوب فلسطين لدى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية في جنيف إبراهيم خريشة لـ”الشرق”، إن “مسودة البيان ساوت بين الجانبين دون الأخذ بالاعتبار أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية، وفصلاً عنصرياً ممنهجاً بحق الفلسطينيين”.
وأضاف خريشة أن “فلسطين، بمشاركة المجموعات الإقليمية والدول الصديقة جمعت منذ نوفمبر الماضي 76 توقيعاً، وطالبت سويسرا بصفتها البلد الوديع للاتفاقية، القيام بمشاورات لعقد المؤتمر، لكنها لم تأخذ بالطلب، وأرادت الحصول على قرار من الجمعية العامة، وهو ما حصل بالفعل في 18 سبتمبر الماضي، إذ صدر قرار طالب سويسرا بعقد المؤتمر في مهلة 6 أشهر يهدف لتعزيز حماية المدنيين الفلسطينيين”.
وباشرت سويسرا المشاورات لعقد المؤتمر منذ نوفمبر الماضي، وقدمت ما أسمته مجموعة أفكار حملت اسم “لا ورقة”، احتاجت وفق خريشة إلى الكثير من التعديل لأنها “لا تلبي الحاجة المرجوة من المؤتمر”.
شوائب وخلل قانوني
وتابع خريشة: “يبدو أن الورقة السويسرية لاقت اعتراضاً وملاحظات من دول أخرى، لا تتفق بالضرورة مع وجهة النظر العربية-الإسلامية، وتضمنت مسودة البيان الختامي شوائب ونواقص كثيرة، وخللاً قانونياً وضمنياً، وخلطاً بين السياسة والقانون، ولذلك أعلنت فلسطين إلى جانب عدة دول إقليمية وصديقة عدم المشاركة في المؤتمر، حيث لم تؤخذ في الاعتبار ملاحظاتها على البيان النهائي”.
واعتبرت هذه الدول أن مسودة البيان الختامية “لا تعالج بشكل كافٍ قضايا رئيسية مثل التهجير والنقل القسريين للسكان الفلسطينيين، والاستيلاء على الممتلكات، وهي أفعال محظورة بموجب المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة. كما تنتقد غياب تدابير ملموسة لضمان امتثال إسرائيل للاتفاقية، وعدم وجود آليات للمساءلة.
نقاط خلافية
تضمّنت نقاط الخلاف الرئيسية التي أثارتها منظمة التعاون الإسلامي في ملاحظاتها التي اطلعت “الشرق” على نسخة منها، ضرورة أن يركز المؤتمر بشكل أساسي على “تدابير لإنفاذ اتفاقية جنيف الرابعة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وضمان احترامها، وفقاً للمادة الأولى المشتركة من الاتفاقيات الأربع”.
وتطرقت المنظمة إلى “غياب تدابير ملموسة لضمان امتثال إسرائيل للاتفاقية، وعدم وجود آليات للمساءلة”، كما انتقدت “عدم الدقة في تفسير القانون الإنساني الدولي في مشروع البيان، وعدم أخذه في الاعتبار معظم تعليقات واقتراحات المجموعة”.
ويرى خريشة أنه “كان بإمكان سويسرا تعليق المؤتمر وإبداء بعض المرونة، ومنح المزيد من الوقت للمداولات والانخراط في المفاوضات لتعديل صيغة البيان الختامي، والتوصل إلى بيان مختلف، لكن قرارها كان سريعاً بإلغاء المؤتمر”.
وذكر المسؤول الفلسطيني أن “الثغرات في مسودة البيان الختامي كثيرة، إذ تتضمن عواراً قانونياً وإجرائياً”، لافتاً إلى أنها “تتوجه إلى كل الأطراف بشكل متساوٍ، وتشير إلى مجموعات مسلحة ارتكبت أعمالاً غير قانونية، وهي لا تُعد طرفاً في الاتفاقية، وإنما تقع على عاتقها مسؤوليات، حسب الفقرة الثالثة من الاتفاقية بصفتها مجموعات مسلحة، ولا يمكن مساواتها بدولة كاملة السيادة، وعضو كامل الصلاحيات في الاتفاقيات”.
ونبَّه خريشة إلى أن المسودة “لم تشر بشكل صريح إلى الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية بعدم قانونية الاحتلال، ولم تتعرض إلى الأوامر الإجرائية الثلاثة الصادرة عن المحكمة بخصوص وقف الإبادة الجماعية، ولم تتناول كذلك أي إجراءات ضد المستوطنين والمستوطنات الواردة في الرأي الاستشاري”.
وأوضحت الفقرة 25 من قرار الجمعية العامة أن هذا المؤتمر يُعقد من أجل الاتفاق على قضايا إجرائية، لكن خريشة يرى أن المسودة “لم تلبِ هذا المطلب؛ لأن القرار الإجرائي يجب أن يشمل توقيف ومحاسبة مرتكبي الجرائم، وإعادة النظر في العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع إسرائيل طالما استمرت في سياسات التجويع ومنع إدخال المساعدات، ووقف تصدير السلاح والذخائر والمعدات الحربية ذات الصلة”.
ومن ضمن القرارات الإجرائية المقترحة ضمن ورقة قدمتها منظمة التعاون الإسلامي خلال المفاوضات على البيان الختامي، الإشارة إلى “ضرورة حظر التجارة والاستثمارات مع المستوطنات. وتفعيل آليات تحقيق دولية في الانتهاكات المزعومة”.
واستندت المنظمة، إلى قرارات سابقة للجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الصادر في 19 يوليو 2024، كما أشارت إلى أوامر المحكمة بشأن منع الإبادة الجماعية في قطاع غزة والسعي إلى التنفيذ الفوري والكامل لهذه التدابير.
ودعت المنظمة الإسلامية إلى “وضع إطار عملي لضمان مساءلة مرتكبي انتهاكات القانون الدولي”.
المسودة تتجاهل تاريخ الصراع
وأشارت النقطة السابعة من مسودة البيان الختامي للمؤتمر إلى القلق العميق للدول الأطراف “إزاء الانتهاكات المتكررة واسعة النطاق للقانون الإنساني الدولي التي ارتكبتها جميع أطراف النزاع، مثل تلك التي ارتُكبت في 7 أكتوبر 2023 وما بعده”.
ومضى خريشة يقول إن “تاريخ الاحتلال والانتهاكات الإسرائيلية لم يبدأ في السابع من أكتوبر 2023″، فيما تتضمن ملاحظات الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي إشارة إلى أنه “لا ينبغي تجاهل الواقع والسياق الأوسع، ومن غير المناسب عدم الإشارة على الإطلاق إلى حالة الاحتلال التي تجري فيها كل هذه الأحداث والانتهاكات الجسيمة، وأن أحداث 7 أكتوبر لم تحدث من فراغ، بل كانت في الواقع حدثاً مستمراً”.
وتناولت الملاحظات كذلك “ضرورة احترام حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، والالتزام الأساسي للقوة القائمة بالاحتلال بوجوب السماح بخطط الإغاثة وتسهيلها”.
وأدانت أيضاً “إنشاء المستوطنات غير الشرعية، والتهجير القسري، ونقل السكان الذي يهدف لتغيير التركيبة السكانية والإقليمية لفلسطين المحتلة بشكل غير قانوني في انتهاك خطير للمادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة”.
كما أكدت على الدور المنوط باللجنة الدولية للصليب الأحمر في “متابعة وتحديد مكان الضحايا ومساعدة المعتقلين الفلسطينيين، بما في ذلك المختفين قسراً، مع ضرورة الالتزام بالتمييز بين المدنيين والمقاتلين وبين الأهداف المدنية العسكرية، والحفاظ على مبدأ التناسب”.
ويُمثّل إلغاء مؤتمر الأطراف السامية المتعاقدة في اتفاقية جنيف الرابعة، بسبب الخلافات الحادة بشأن البيان الختامي تطوراً مقلقاً، ويثير في أوساط جنيف الدبلوماسية تساؤلات بشأن مستقبل الجهود الدولية لضمان حماية المدنيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
كما يُعبّر عن رسالة سلبية واضحة في إضعاف القيمة المعنوية للقانون الدولي بصفتها قواعد آمرة يجب احترامها وإنفاذها.