عاجل
سياسة

“شارع سمسم العربي”.. ما قصة الـ20 مليون دولار التي انتقد ترامب إنفاقها؟

المنبر الحر – في خطابه أمام الجلسة المشتركة للكونجرس، أشاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بجهود لجنة الكفاءة الحكومية (DOGE)، التي قال إنها تعمل على الحد من هدر أموال دافعي الضرائب وتحقيق مزيد من الرقابة على الإنفاق الفيدرالي.

وخلال حديثه، أشار إلى مثال على ما وصفه بـ”سوء استخدام التمويل الحكومي”، وأشار إلى منحة 20 مليون دولار قدمتها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) لدعم برنامج “أهلاً سمسم” العربي (Ahlan Simsim).

واستعرض ترامب قائمة طويلة بتمويلات حكومية وصفها بأنها غير مبررة، من بينها: 20 مليون دولار لتمويل برنامج “أهلاً سمسم” العربي في الشرق الأوسط.

وقال ترامب “شكراً لكم على العمل الجاد، لكن لم يكن هناك حاجة إلى هذا.. الجميع هنا يقدرون ذلك، حتى الجانب الآخر (الديمقراطيين)، رغم أنهم لا يريدون الاعتراف بذلك”.

وتصريح ترامب بشأن “شارع سمسم” ليس جديداً، فقد سبقته المتحدثة باسم البيت الأبيض التي كررت هذا الاتهام في إحاطة إعلامية سابقة، مشيرة إلى أن هذا التمويل “ليس له أي فائدة مباشرة للمواطن الأميركي”.

كما جددت السيناتور جوني إرنست، خلال جلسة استماع للجنة الأمن الداخلي والشؤون الحكومية في 13 فبراير، انتقاداتها لـ USAID، معتبرة أن هذا النوع من الإنفاق “يجب أن يخضع لمراجعة صارمة”.

“أهلاً سمسم”

وبرنامج “أهلاً سمسم” هو مشروع تعليمي تم إطلاقه عام 2021 بدعم من USAID، ويهدف إلى دعم الأطفال في المناطق المتأثرة بالنزاعات، خاصة في العراق، من خلال تقديم برامج تعليمية تهدف إلى تعزيز التسامح، والاندماج الاجتماعي، والتعلم المبكر.

ويركز المشروع بشكل أساسي على تنمية الطفولة المبكرة، مع إعطاء الأولوية للأطفال الذين تعرضوا للنزوح، أو تأثروا بظروف الحرب والصراعات.

لكن وسط النقاشات حول المشروع، حدث التباس كبير بينه وبين برنامج “أهلاً سمسم أو شارع سمسم” التلفزيوني، مما أدى إلى سوء فهم واسع حول كيفية إنفاق التمويل الحكومي المخصص لهذا المشروع.

صورة من مبادرة ورشة سمسم للأطفال المتضررين بمناطق النزاعات 
صورة من مبادرة ورشة سمسم للأطفال المتضررين بمناطق النزاعات 

ويكمن الخلط الأساسي في أن “أهلاً سمسم” ليس برنامجاً تلفزيونياً موجهاً للأطفال مثل “شارع سمسم”، بل هو مشروع تعليمي شامل يركز على إعداد المواد التعليمية وتدريب المعلمين ومقدمي الرعاية، بهدف توفير بيئة تعليمية أفضل للأطفال في العراق.

وأوضح موقع Snopes، المتخصص في التحقق من صحة المعلومات، أن العديد من التقارير خلطت بين “شارع سمسم” التلفزيوني، الذي يُبث في دول عربية عدة، وبين “أهلاً سمسم العراق”.

فبينما يعتمد الأول على تقديم محتوى ترفيهي وتعليمي للأطفال من خلال شخصيات دمى مشهورة، فإن الثاني هو مبادرة تعليمية منفصلة تماماً، تستهدف تنمية الطفولة المبكرة في المجتمعات المتأثرة بالنزاعات.

انتقادات الجمهوريين

ولا تتعلق انتقادات الجمهوريين وإدارة ترامب لمثل هذا النوع من الإنفاق غالباً بطبيعة المشاريع أو أهدافها، بقدر ما تركز على المبدأ الأساسي القائل بأنه لا ينبغي إنفاق أموال دافعي الضرائب الأميركيين على برامج خارج الولايات المتحدة، بغض النظر عن فائدتها أو تأثيرها.

وهذا الموقف، الذي يتبناه ترامب وحلفاؤه في الحزب الجمهوري، يعكس نهجاً قوميّاً متشدداً في إدارة الميزانية، حيث يُنظر إلى أي تمويل خارجي على أنه إهدار للموارد التي يجب أن تُوجه بالكامل إلى الداخل.

وسبق للملياردير إيلون ماسك، وأن عبّر عن هذا الرأي في تصريحات سابقة، في معرض رده على الاتهامات بأنه ضلل الرأي العام بالحديث عن توجيه واقيات ذكرية بـ 50 مليون دولار لقطاع غزة. وقال “لا أعتقد أنه يجب دفع أي أموال أميركية لأي مكان في الخارج”.

مصادر التمويل

وفقاً للوثائق الرسمية من USAID، فقد خصصت الوكالة في يوليو 2021 مبلغ 20 مليون دولار لمنظمة “ورشة سمسم”، وهي مؤسسة غير ربحية تُعنى بتطوير برامج تعليمية موجهة للأطفال.

لكن هذا التمويل لم يُستخدم لإنتاج برنامج تلفزيوني للأطفال، بل تم تخصيصه بالكامل لدعم مبادرات تعليمية محلية في العراق، تضمنت إعداد مواد تعليمية مطبوعة ورقمية للأطفال في سن ما قبل المدرسة، وتدريب المعلمين والمشرفين التربويين في مراكز تنمية الطفولة المبكرة.

كما وُجه المبلغ لتمويل موارد دعم نفسي وتعليمي للأطفال الذين يعانون من آثار الحرب والنزوح، وإنتاج محتوى إعلامي تربوي موجه لمقدمي الرعاية، لمساعدتهم في التعامل مع الأطفال المتضررين من النزاعات.

لماذا حدث الالتباس؟

السبب الرئيسي وراء الالتباس هو أن اسم المشروع “أهلاً سمسم العراق” يشابه اسم البرنامج التلفزيوني “أهلاً سمسم”. ومع ذلك، فإن المسؤولين عن المشروع شددوا على أن البرنامج التلفزيوني يتم تمويله من مصادر خيرية منفصلة تماماً، وليس من أموال USAID.

وقال متحدث باسم ورشة سمسم صرّح لموقع Snopes إن “تمويل USAID لم يُستخدم لدعم إنتاج البرنامج التلفزيوني، بل خُصص بالكامل لمشروع أهلاً سمسم العراق، وهو برنامج يهدف إلى تطوير بيئة تعليمية للأطفال من خلال إعداد مواد تربوية وتدريب المعلمين ومقدمي الرعاية”.

التمويل والمنح

وعلى الرغم من أن بعض التصريحات الرسمية، مثل تصريح السيناتور جوني إرنست، تشير إلى أن التمويل بلغ 20 مليون دولار، إلا أن بيانات موقع usaspending.gov، وهو قاعدة بيانات حكومية توضح تفاصيل الإنفاق الفيدرالي، تظهر أن المبلغ الفعلي الملتزم به كان 18.2 مليون دولار، مقسماً على منحتين: 13 مليون دولار في يوليو 2021 و5.2 مليون دولار في سبتمبر 2021.

كما كشف الموقع أن المبلغ الذي تم دفعه فعلياً حتى فبراير، لم يتجاوز 473 ألف و784 دولاراً، مما يعني أن معظم الأموال لم تُصرف بعد.

استمرار الجدل حول الأولويات

وبينما يصر الحزب الجمهوري على أن تمويل المشاريع خارج الولايات المتحدة يجب أن يخضع لرقابة أشد، يرى الديمقراطيون أن هذه المبادرات هي جزء من القوة الناعمة الأميركية التي تهدف إلى تعزيز الاستقرار والتعليم في مناطق النزاعات.

السيناتور الديمقراطي كريس كونز عن ولاية ديلاوير دافع عن تمويل برنامج “أهلاً سمسم العراق” خلال مقابلة مع CNN، معتبراً أنه استخدام جيد لأموال دافعي الضرائب لتعزيز القيم والتسامح لدى الأطفال العراقيين.

ورداً على الانتقادات، قال كونز: “ليس مجرد برنامج أطفال، بل يساعد على نشر قيم السلام والتعاون في مجتمع قد يكون بديله داعش والتطرف”، على حد قوله. وأكد أن التمويل جزء صغير من الإنفاق الفيدرالي، مقارنةً بميزانية الدفاع البالغة 850 مليار دولار.

“شارع سمسم الأميركي وعالم سمسم العربي”

و”شارع سمسم” هو برنامج تعليمي للأطفال انطلق لأول مرة في الولايات المتحدة عام 1969، من إنتاج ورشة سمسم (Sesame Workshop)، بهدف تعزيز التعلم المبكر لدى الأطفال من خلال الترفيه والتعليم التفاعلي.

ويعتمد البرنامج على شخصيات دمى محبوبة مثل “بيغ بيرد” و”إلمو” و”كوكي مونستر”، ويُقدم محتوى يركز على مهارات القراءة والكتابة، الحساب، التفكير النقدي، والتواصل الاجتماعي، إلى جانب تعزيز القيم الإيجابية مثل التعاون والتسامح واحترام التنوع. وسرعان ما اكتسب البرنامج شعبية عالمية، وأصبح نموذجاً رائداً في التعليم عبر الترفيه.

ودخل “شارع سمسم” العالم العربية لأول مرة عام 1979 تحت اسم “افتح يا سمسم”. وهي النسخة الخليجية التي أنتجت في الكويت، وكانت موجهة إلى جميع الأطفال الناطقين باللغة العربية في المنطقة. ولاحقاً، تم إطلاق عدة نسخ محلية، من بينها “عالم سمسم” (مصر) الذي أُطلق عام 2000 بالتعاون مع USAID. و”حكايات سمسم” (الأردن) الذي بدأ في 2003 و”شارع سمسم” (فلسطين) الذي عُرض لأول مرة عام 1998.

أما “أهلًا سمسم” الذي يخص منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فقد أُطلق عام 2020 بالتعاون مع لجنة الإنقاذ الدولية (IRC)، ويركز على دعم الأطفال المتأثرين بالنزاعات في الدول العربية، بما في ذلك العراق وسوريا.

ويتميز البرنامج باستخدام شخصيات دمى محببة، مثل “نعمان”، “فلفل”، و”خوخ”، وهي شخصيات صُممت خصيصاً لتكون قريبة من بيئة وثقافة الأطفال العرب، مما يجعل المحتوى أكثر تأثيراً وسهولة في الاستيعاب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!