ميناء غزة.. شاهد على فشل المخطط الأمريكي لتهجير الفلسطينيين
المنبر الحر – قبالة ساحل البحر المتوسط بقطاع غزة، وفي مكان قريب من موقع الميناء الأمريكي العائم الذي حمل تطلعات بتهجير فلسطينيي القطاع للخارج، سلمت كتائب “القسام” الجناح العسكري لـ”حماس”، السبت، أسيرا إسرائيليا أمريكيا إلى الصليب الأحمر، ضمن اتفاق وقف النار وتبادل الأسرى.
رسائل ودلالات
موقع التسليم، الذي اختارته “حماس” لتسليم الأسير كيث سيغال، والمظاهر التي رافقت العملية، تحمل رسائل ودلالات هامة على فشل المخطط الإسرائيلي لتهجير فلسطينيي غزة، ورسائل تحدٍ للرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يواصل الدفع بها.
فالموقع يبعد عدة كيلومترات فقط عن مكان الرصيف العائم، الذي أعلن الجيش الأمريكي في 16 مايو/ أيار 2024 الانتهاء من بنائه بهدف معلن لإسرائيل، وهو إنشاء منفذ تحت رقابتها الكاملة لخروج ودخول الأشخاص والبضائع من وإلى غزة، بعد إحكامها حصار غزة والسيطرة على كافة منافذه آنذاك.
لكن الرصيف فشل فشلا ذريعا، إذ لم يصمد سوى أيام معدودة أمام أمواج البحر، ما أدى إلى أعطال متكررة أخرجته عن الخدمة. وفي 17 يوليو/ تموز 2024، أعلن الجيش الأمريكي تفكيكه بشكل نهائي بعد عدم نجاحه في تحقيق أهدافه.
وخلال فترة تشغيله القصيرة، لم يوفر الرصيف سوى 1 بالمئة من احتياجات فلسطينيي غزة، وفق بيان للمكتب الإعلامي الحكومي في القطاع.
بينما أكدت مصادر متطابقة، بينها مراقبون وفصائل فلسطينية وحتى صحفيون إسرائيليون، أن أبرز الأهداف الخفية لهذا الرصيف العائم كانت تسهيل تهجير فلسطينيي غزة عبر البحر، بطرق مختلفة.
فإسرائيل والولايات المتحدة، وفق هذه المصادر، كانتا تخططان عبر هذا الرصيف لتعزيز عزلة غزة عن العالم الخارجي، والتحكم في كل ما يدخل إليها من بضائع وأشخاص بحرا وبرا، ما يزيد الضغوط الاقتصادية والحياتية، ويدفع فلسطينيي القطاع للبحث عن حياة أفضل في الخارج.
كما كان بإمكان إسرائيل استخدام هذا الرصيف مسارا لخروج الفلسطينيين دون السماح بعودتهم، في ظل حرب الإبادة الجماعية التي كانت تشنها على القطاع.
وهذا ما كشفته صحفية بهيئة البث الإسرائيلية (رسمية) في منشور عبر منصة إكس، قائلة إن “رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قال في اجتماع خاص للجنة الأمن والشؤون الخارجية في الكنيست (البرلمان) إن الرصيف العائم سيسهل إخراج الفلسطينيين من غزة”.
لذا فإن اختيار موقع تسليم أسير إسرائيلي يحمل الجنسية الأمريكية قرب هذا الرصيف (بوابة التهجير المأمولة آنذاك) هو رسالة لواشنطن على فشل ما كانت تخطط له مع تل أبيب لتهجير فلسطينيي القطاع.
كما يُعتبر رسالة موجهة بشكل خاص للرئيس دونالد ترامب، الذي يروج منذ 26 يناير/ كانون الثاني المنصرم، لمخطط نقل فلسطينيي غزة إلى دول مجاورة مثل مصر والأردن، وهو الأمر الذي رفضه البلدان، وانضمت إليهما دول عربية أخرى، ومنظمات إقليمية ودولية.
بحر غزة وشارع الرشيد
إضافة إلى ذلك، يقع موقع التسليم على شاطئ بحر غزة الذي يمر بمحاذاته شارع الرشيد، وهو الشارع الذي عاد عبره، منذ 27 يناير الماضي، عشرات الآلاف من فلسطينيي شمال القطاع، بعدما عملت إسرائيل على مدى شهور طويلة منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، على تهجيرهم لمناطق جنوب ووسط القطاع، باستخدام كل فظائع الإبادة الجماعية.
لذا فإن اختيار هذا المكان يحمل رسالة تحدٍ أخرى لإسرائيل على فشل مخططها لتهجير فلسطينيي شمال غزة وإعادة المستوطنات إلى هناك، كما كان يدفع لذلك مسؤولون من اليمين المتطرف بحكومة نتنياهو.
مشاهد من التحدي
هذه الرسالة والدلالات، عززتها مشاهد عدة خلال عملية تسليم الأسير سيغال للصليب الأحمر.
إذ شهد مكان التسليم تواجدا كبيرا وغير معهود لعناصر “القسام” قبالة بحر غزة وذلك منذ سريان اتفاق وقف النار.
كما احتشد على شاطئ البحر الذي كان شاهدا على فشل المخطط الأمريكي لتهجير الفلسطينيين عبر الرصيف العائم، الآلاف من فلسطينيي غزة لمتابعة مراسم تسليم الأسير الإسرائيلي الأمريكي.
ورفع بعضهم العلم الفلسطيني في إشارة لتمسكهم بأرضهم ورفضهم فكرة التهجير التي دفعوا ثمنها أراوح عشرات الآلاف من أبنائهم ودمار منازلهم وأشهرا طويلة من الجوع والعطش.
وخلال الحرب، ورغم بشاعة الجرائم التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي خاصة بمحافظة الشمال، رفض آلاف الفلسطينيين النزوح وقرروا البقاء لإفشال مخططات التهجير وإفراغ الأرض من أهلها.
وبينما تذرع ترامب عند طرح مقترح تهجير فلسطيني غزة لمصر والأردن بـ”عدم وجود أماكن صالحة للسكن بالقطاع”، الذي أبادته إسرائيل طوال نحو 16 شهرا، رد الآلاف من الفلسطينيين على ذرائعه، خلال الأيام الأخيرة، بنصب خيامهم على أنقاض منازلهم وقربها وأعادوا الحياة لمناطقهم المدمرة.
واشنطن عرابة “التهجير والإبادة”
ولا يُعد مقترح ترامب مستغربا في حقيقة الأمر، فهو انعكاس طبيعي لتاريخ الولايات المتحدة في قضيتي “الإبادة والتهجير”، إذ إنها دولة تأسست على مبدأ إبادة السكان “الهنود” الأصليين وتهجيرهم قسريا.
وهذه السياسة تبنتها أيضا حينما دعمت قيام دولة إسرائيل عام 1948 على أراضي الفلسطينيين بعدما هجرت أكثر من 750 ألف فلسطيني قسرا خلال النكبة، وأبادت آلافا منهم.
فيما قدمت واشنطن “عرابة الإبادة والتهجير” منذ عام 1949 مشاريع لتوطين اللاجئين الفلسطينيين كُتب لها الفشل، من بينها “مشروع جونستون” في الأردن، و”مشروع جون فوستر دالاس” في المناطق العربية التي يوجد فيها اللاجئون الفلسطينيون.
ومنذ الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967، لم تتخذ الولايات المتحدة موقفا رسميا يُعارض سياسة الاستيطان القائمة على تهجير وطرد الفلسطينيين من أرضهم، بل قال مراقبون إنها كانت مؤيدة لهذا المسار في الخفاء وقدمت دعما سياسيا ودبلوماسيا وعسكريا لتل أبيب.
ومطلع 2020، أعلن ترامب، الذي تولى رئاسة الولايات المتحدة آنذاك في فترة أولى (2017-2020)، “صفقة القرن” التي دعمت “التهجير” عبر مصادرة حق الفلسطينيين في العودة إلى أراضيهم التي هُجروا منها عام 1948.
كما شملت الخطة إنهاء وضع “اللاجئ الفلسطيني”، وأيدت ضم الأراضي التي احتلتها إسرائيل منذ عام 1967، بل أعطت شرعية للمستوطنات.
إسرائيل وإلغاء الدول
مقترح ترامب الأخير لتهجير فلسطينيي غزة إلى مصر والأردن جاء في ظل دعوات متصاعدة منذ أشهر داخل الأوساط الإسرائيلية في الاتجاه ذاته.
فعلى مدى نحو 16 شهرا من الإبادة الجماعية بغزة، أطلق مسؤولون إسرائيليون دعوات لتهجير فلسطينيي القطاع، في حين سارعوا إلى دعم مقترح ترامب.
ومن أبرز هؤلاء، وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش، الذي قال في 27 يناير الماضي، إنه يعمل مع نتنياهو على خطة عمل لتنفيذ رؤية ترامب، بشأن تهجير الفلسطينيين في غزة إلى مصر والأردن.
وزعم سموتريتش، وفق ما نقلته صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية الخاصة آنذاك، أن “تشجيع الهجرة هو الحل الوحيد الذي سيحقق السلام والأمن ويخفف معاناة سكان غزة على المدى البعيد”.
ودعا سموتريتش إلى تجاهل ما زعم أنها “معارضة ضعيفة من مصر والأردن” لمخطط ترامب.
أما وزير الأمن القومي الإسرائيلي المستقيل إيتمار بن غفير، فقال خلال اجتماع الكتلة البرلمانية لحزب “عوتسما يهوديت” (قوة يهودية) برئاسته، في اليوم ذاته، إن “تشجيع الهجرة هو الشيء الوحيد الذي سيجلب الحل والراحة والهدوء لدولة إسرائيل ولسكان غزة”.
مشاريع “سخيفة”
في المقابل، قوبل مخطط ترامب برفض فلسطيني وعربي وإسلامي وأوروبي وأممي.
فقد شدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في مؤتمر صحفي الأربعاء الماضي، على أن “ترحيل أو تهجير الشعب الفلسطيني ظلم لا يمكن أن نشارك فيه”، مؤكدا عزم بلاده على العمل مع ترامب للتوصل إلى سلام قائم على حل الدولتين.
وأُضيفت إلى ذلك، مواقف رافضة لمقترح ترامب من جهات عدة، بينها الأردن والعراق وفرنسا وألمانيا، وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، والأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي.
فيما أكدت 6 دول عربية في اجتماع وزاري عقدته بالعاصمة المصرية القاهرة، اليوم، رفضها مخطط ترامب لتهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم، داعية المجتمع الدولي لتنفيذ حل الدولتين.
ضم الاجتماع وزراء خارجية مصر والسعودية والإمارات وقطر والأردن، فضلا عن أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ، وأمين عام الجامعة العربية أحمد أبو الغيط.
بدوره، قال القيادي في حركة “حماس” سامي أبو زهري، إن “الإعلان الأمريكي المتكرر عن تهجير سكان غزة مشاريع سخيفة ليس لها قيمة”.
وفي إشارة لإفشال مخطط تهجير فلسطينيي شمال القطاع، أضاف أبو زهري مشددا: “ما فشل الاحتلال بتحقيقه بالقوة لن يحصل عليه بألاعيب السياسة”.
وأشار إلى أن إصرار الإدارة الأمريكية على مشاريع التهجير يمثل “وصفة لمزيد من الفوضى والتوتر في الإقليم”.
______________________
www.almenberalhor.com