![](https://almenberalhor.com/wp-content/uploads/2025/02/1738863983641-1.jpg)
المنبر الحر –تواجه خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسيطرة على غزة عقباتٍ عدة، أبرزها رفض سكان القطاع مغادرة أراضيهم، والمعارضة الدولية والإقليمية الواسعة للمقترح، فضلاً عن التحديات القانونية التي تقف عثرة أمام التنفيذ، والرفض العربي لاستقبال اللاجئين الفلسطينيين.
وكان ترامب قد اقترح، الثلاثاء، سيطرة الولايات المتحدة على غزة بعد أن اقترح في وقت سابق تهجير الفلسطينيين في القطاع بشكل دائم.
وقال ترامب خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: “ستتولى الولايات المتحدة السيطرة على قطاع غزة، وسنقوم بعملنا هناك أيضاً. سنتولى المسؤولية عن تفكيك جميع القنابل غير المنفجرة الخطيرة والأسلحة الأخرى في الموقع وتسوية الموقع بالأرض والتخلص من المباني المدمرة وتسويتها وإيجاد تنميةٍ اقتصاديةٍ من شأنها أن توفر عدداً غير محدودٍ من الوظائف والمساكن لسكان المنطقة”.
وأفاد ترامب بأن واشنطن ستطلب من دول مجاورة أخرى استقبال الفلسطينيين النازحين من غزة. ومنذ 25 يناير/ كانون الثاني، طلب مراراً من مصر والأردن، القيام بذلك. ورفض البلدان ودول عربيةٍ أخرى اقتراحه.
وأضاف ترامب:” بدلاً من ذلك، يجب أن نذهب إلى دول أخرى مهتمة، وهناك العديد منها يريد القيام بذلك وبناء مناطقَ مختلفةٍ سيقيم فيها في آخر الأمر 1.8 مليون فلسطيني يعيشون في غزة، وإنهاء الموت والدمار وبصراحة، سوء الحظ. يمكن للدول المجاورة ذات الثروة العظيمة دفع ثمن هذا”.
ما هي العقبات التي تواجه مقترح ترامب بالسيطرة على غزة؟
أولاً: رفض سكان غزة مغادرة أراضيهم
قوبل مقترح الرئيس الأمريكي بالسيطرة على غزة برفضٍ واسعٍ من أهالي القطاع لمغادرة أراضيهم، باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من وطنهم، حيث يطمحون إلى إقامة دولةٍ مستقلةٍ في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، وهي الأراضي التي احتلتها إسرائيل في حرب عام 1967.
واقترح السفير الفلسطيني لدى الأمم المتحدة، رياض منصور، أنه إذا كان هدف ترامب هو إرسال الفلسطينيين إلى “مكان سعيدٍ ولطيف”، فيجب عليهم العودة إلى منازلهم الأصلية في إسرائيل، وفق ما ذكر تقريرٌ لوكالة أسوشييتد برس الأمريكية.
وقد تجلّى إصرار سكان القطاع على البقاء في أراضيهم بوضوحٍ في الأسبوع الماضي، عندما عاد مئات الآلاف إلى شمال غزة، على الرغم من تدميرها بالكامل تقريباً.
ونقلت تقاريرٌ عدة عن فلسطينيين رفضهم واستهجانهم لتصريحات ترامب بشأن غزة.
وقال المحامي الفلسطيني في مجال حقوق الإنسان، راجي الصوراني، لموقع ميدل إيست آي: “أنا في حالةٍ من الصدمة. لا أصدق أنهم يمكن أن يكونوا وقحين إلى هذا الحد”.
ونشرت صحيفة الغارديان البريطانية تقريراً رصد ردود فعل سكان القطاع على مقترح تهجيرهم، جاء تحت عنوان: “فلسطينيون في غزة رداً على خطة ترامب: نفضل الموت هنا على الرحيل”.
وقال أبو فراس (52 عاماً)، الذي يعيش في خيمةٍ بعدما دمر القصف الإسرائيلي منزله في شرق خان يونس: “نفضل الموت هنا على مغادرة هذه الأرض. لا يمكن لأي مبلغٍ من المال في العالم أن يحلّ محل وطنك”.
ونقلت الغارديان أيضاً عن وليد المنية، الذي نزح ست مراتٍ خلال الحرب، قوله: “لدينا مقولةٌ شهيرة: من يترك بيته يفقد كرامته. نحن شعبٌ صامد، وهذا لن يحدث حتى في أحلام ترامب. سنبقى هنا، ولن نتنازل عن شبرٍ واحدٍ من أرضنا”.
وشمل الرفض الفلسطيني داخل غزة لمقترح ترامب حتى أطفال القطاع الذين عاشوا أهوال الحرب الإسرائيلية. ونقلت وكالة الأناضول عن الطفل أنس عرفات (13 عاماً) رفضه القاطع لخطة ترامب، قائلاً إنه عاش 15 شهراً تحت القصف ونقص الطعام، و”الآن يريد ترامب تهجيرنا؟”. وأضاف أنه “ثابتٌ” في قطاع غزة، ولن يُهجَّر.
يُذكر أن أغلب سكان غزة هم من نسل اللاجئين الذين فروا من حرب عام 1948، التي أعقبت إنشاء دولة الاحتلال، عندما فرّ مئات الآلاف من الفلسطينيين أو طُردوا من فلسطين المحتلة. ولم يُسمح لهم بالعودة، لأن عددهم كان ليفوق عدد السكان اليهود في الدولة الجديدة.
ثانياً: الرفض العربي لاستقبال اللاجئين الفلسطينيين
رفضت مصر والأردن، اللتان عقدتا السلام مع إسرائيل قبل عقودٍ من الزمن، مراراً وتكراراً مقترحات ترامب السابقة لإعادة توطين الفلسطينيين داخل حدودهما.
ويعاني كلا البلدين من اقتصادٍ متعثرٍ، من شأنه أن يجد صعوبةً بالغةً في استيعاب أعدادٍ كبيرةٍ من اللاجئين.
وأشار ترامب إلى أن دول الخليج قد تدفع ثمن إعادة توطين الفلسطينيين، لكن هذا يبدو غير مرجح، وفق تقريرٍ لوكالة أسوشييتد برس.
وانضمت السعودية والإمارات وقطر إلى مصر والأردن في رفض خطة ترامب للسيطرة على غزة.
يأتي ذلك بينما نقل موقع ميدل إيست آي البريطاني عن مسؤولٍ أمريكيٍّ كبير أن ترامب سيضغط على دول الخليج لتمويل عملية السيطرة الأمريكية على قطاع غزة، وسط إحباطٍ بين مستشاريه من أن الحلفاء في دول الخليج لم يدعموا مقترح الرئيس الأمريكي.
وكشفت تقارير أن مسؤولين أمريكيين في المنطقة أبلغوا البيت الأبيض في الأيام الأخيرة أن مصر لن تقبل باستقبال فلسطينيين من قطاع غزة، وأنها لن تتأثر بالحوافز المالية، في الوقت الذي يستعدون فيه لتكثيف إدارة ترامب للضغوط على القاهرة.
من جانبه، حذر جلالة الملك، عبد الله الثاني، الأربعاء، من خطورة محاولات تهجير الفلسطينيين، لافتاً إلى أن “أي حلٍّ لن يكون على حساب أمن واستقرار الأردن والمنطقة”، وفق بيانٍ للديوان الملكي.
وأعاد البيان التأكيد على “ضرورة تكثيف الجهود العربية لتثبيت الفلسطينيين على أرضهم، واستدامة وقف إطلاق النار في غزة، وتعزيز الاستجابة الإنسانية”.
وأشار الكاتب الأمريكي ديفيد إغناتيوس، في مقالٍ نشرته صحيفة واشنطن بوست، إلى أن واشنطن “استدعت” قادة مصر والأردن للقاء ترامب في واشنطن الأسبوع المقبل.
ثالثاً: التحديات القانونية أمام مقترح ترامب
قال خبراء في القانون الدولي إن اقتراح ترامب بنقل ملايين الفلسطينيين بشكل دائم من غزة للسماح بإعادة إعمارها تحت “ملكية” الولايات المتحدة قد يرقى إلى جريمة حرب أو جريمة ضد الإنسانية.
وأضاف الخبراء أن صياغة الرئيس الأمريكي لخطته دون أي إشارة إلى القانون الدولي تشكل سابقة خطيرة من شأنها تشجيع زعماء العالم الآخرين على القيام بنفس الشيء والمساهمة في انهيار السلام والأمن العالمي، وفق تقرير لصحيفة الغارديان.
ونقل التقرير عن الدكتورة ماريا فاراكي، المحاضرة في القانون الدولي بقسم دراسات الحرب في كلية كينجز بلندن، قولها: “لقد صدمت كباحثة ومعلمة للقانون الدولي وكإنسانة. إن رئيس دولة لا يشير إلى القانون الدولي … هذا أمر خطير للغاية”.
وتحظر معاهدات دولية قائمة منذ فترة طويلة إجبار الناس على مغادرة أراضيهم والاستيلاء عليها.
وتنص اتفاقية جنيف الأصلية لعام 1949 على أن “النقل القسري الجماعي” إلى أي بلد “محظور، بغض النظر عن دوافعه”. وينص البروتوكول المحدث الذي أضيف في عام 1977 على أنه “لا يجوز إجبار المدنيين على مغادرة أراضيهم لأسباب مرتبطة بالنزاع”.
وأفادت صحيفة واشنطن بوست أن الولايات المتحدة وإسرائيل من الدول الموقعة على اتفاقيات جنيف.
وتعتبر الأمم المتحدة وأعلى محكمة في المنظمة، وهي محكمة العدل الدولية، قطاع غزة جزءاً من الأراضي الفلسطينية الواقعة تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي.
ويحظر القانون الدولي الاستيلاء على الأراضي بالقوة، وهو ما يعرف بأنه عمل عدواني.
وينص ميثاق الأمم المتحدة على أن “جميع الأعضاء يمتنعون في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة وعن استخدامها ضد سلامة أراضي أي دولة أو استقلالها السياسي”.
وقال مايكل بيكر، وهو أستاذ مساعد في قانون حقوق الإنسان الدولي في كلية ترينيتي بدبلن، لوكالة رويترز: “في نهاية المطاف، يصل اقتراح الرئيس ترامب إلى حد الرفض الصارخ للمبادئ الأساسية للقانون الدولي السارية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية على الأقل واعتماد ميثاق الأمم المتحدة”.
وقال بيكر إنه في حال أعلنت الولايات المتحدة ملكيتها لقطاع غزة “فإن هذا سيصل إلى مستوى الضم غير القانوني للأراضي. كما أنه لا يحق لإسرائيل التنازل عن أراض فلسطينية للولايات المتحدة أو لأي جهة أخرى”.
رابعاً: المعارضة الدولية الواسعة باستثناء “إسرائيل”
أثار إعلان ترامب أن الولايات المتحدة ستسيطر على قطاع غزة بعد إعادة توطين الفلسطينيين في أماكن أخرى ردود فعل دولية حادة عربياً وإقليمياً ودولياً باستثناء إسرائيل التي رحبت بالمقترح.
ورفضت دول ومنظمات وحركات عربية، الأربعاء، محاولات تهجير فلسطينيي قطاع غزة وخطة الرئيس الأمريكي للاستيلاء على القطاع.
وجاء ذلك وفق مواقف رسمية صادرة عن السعودية والإمارات والأردن ومصر وسلطنة عمان، بخلاف فلسطين، والجامعة العربية والبرلمان العربي، وجاءت ردود الفعل على النحو التالي:
فلسطين: شدد الرئيس الفلسطيني محمود عباس على “الرفض القاطع” لأي محاولة للاستيلاء على غزة أو تهجير الفلسطينيين من وطنهم، معتبراً الدعوات لذلك “انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي وحقوق الشعب الفلسطيني”.
السعودية: أكدت السعودية عبر بيان لوزارة خارجيتها، أن “موقف المملكة من قيام الدولة الفلسطينية هو موقف راسخ وثابت ولا يتزعزع، وأن هذا الموقف الثابت ليس محل تفاوض أو مزايدات”.
الإمارات: وفي أبوظبي، أكدت الإمارات عبر بيان لوزارة خارجيتها، “التزامها بدعم السلام والاستقرار في المنطقة، وموقفها التاريخي الراسخ تجاه صون حقوق الشعب الفلسطيني”.
سلطنة عمان: وفي مسقط، أكّدت سلطنة عُمان عبر بيان لوزارة خارجيتها، على “موقفها الثابت ورفضها القاطع أي محاولات لتهجير سكان غزّة والأراضي الفلسطينية المحتلة، وعلى ضرورة احترام حقوق الشعب الفلسطيني الشقيق المشروعة لإقامة دولته المستقلة على أرضه”.
الأردن: وفي عمان، قال الملك عبدالله الثاني باتصال هاتفي مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، “ضرورة تكثيف الجهود الأممية لدعم الشعب الفلسطيني وتثبيته على أرضه، ووقف إجراءات الاستيطان”.
مصر: وفي القاهرة، أكد لقاء جمع وزير خارجية مصر بدر عبد العاطي ورئيس وزراء فلسطين محمد مصطفى بالقاهرة على “أهمية المضى قدماً في مشروعات وبرامج التعافى المبكر بقطاع غزة، بما يشمل إزالة الركام ونفاذ المساعدات الإنسانية بوتيرة متسارعة، دون خروج الفلسطينيين من القطاع ، خاصة مع تشبثهم بارضهم ورفضهم الخروج منها”، وفق بيان للخارجية المصرية.
البرلمان العربي: وعلى مستوى المنظمات، أعرب رئيس البرلمان العربي محمد اليماحي في بيان، عن “رفض البرلمان القاطع واستنكاره للتصريحات الصادرة عن ترامب، التي تدعو للسيطرة على قطاع غزة وتهجير الشعب الفلسطيني، في انتهاك للقوانين الدولية، وحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة”.
حماس: وقالت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إن الشعب الفلسطيني لن يسمح لأي دولة في العالم باحتلال أرضه أو فرض الوصاية عليه.
ودولياً، أعربت عدة دول، الأربعاء، عن رفضها القاطع لمخططات الرئيس الأمريكي الرامية إلى الاستيلاء على قطاع غزة بعد تهجير الفلسطينيين إلى دول أخرى، محذرة من أن ذلك يشكل “انتهاكاً خطيراً للقانون الإنساني الدولي” وقد يؤجج الكراهية والاضطرابات بالشرق الأوسط.
وأكدت هذه الدول على ضرورة الدفع نحو تنفيذ حل الدولتين (فلسطينية وإسرائيلية) كسبيل وحيد لإنهاء الصراع وتحقيق السلام بالمنطقة.
وجاءت هذه المواقف في بيانات وتصريحات رسمية صادرة عن تركيا والصين وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإسبانيا وبولندا وسلوفينيا وإسكتلندا وبلجيكا وسويسرا وماليزيا.
حتى أن المعارضة لمقترح ترامب كانت بارزة داخل الحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه الرئيس الأمريكي.
وسيطرت حالة من الارتباك والارتياب على بعض أعضاء الحزب الجمهوري، ومن بينهم السناتور الجمهوري راند بول الذي كتب على موقع إكس: “اعتقدت أننا صوتنا لأمريكا أولاً. لا مصلحة لنا في التفكير في احتلال آخر قد يدمر ثرواتنا ويسفك دماء جنودنا”.
وكان الاستثناء الوحيد الذي وافق على مقترح ترامب هو إسرائيل الذي قال رئيس وزرائها نتنياهو الذي قال إنه لا يوجد خطأ في فكرة الرئيس الأمريكي لتهجير الفلسطينيين من غزة.
وأوضح نتنياهو في مقابلة مع قناة فوكس نيوز الأمريكية، الخميس، أن “الفكرة الفعلية هي السماح لسكان غزة الذين يريدون المغادرة بالمغادرة، أعني، ما الخطأ في ذلك؟ يمكنهم المغادرة، ثم يمكنهم العودة بعد ذلك، ويمكنهم الانتقال والعودة، لكن عليك إعادة بناء غزة”.
وفيما يتعلق بخطة ترامب بشأن غزة، التي تقضي بأن “تسيطر الولايات المتحدة على القطاع”، قال نتنياهو: “لا أعتقد أنه تحدث عن إرسال جنود أمريكيين. هذه مهمتنا، ونحن ملتزمون بها. ولم يقل إن الولايات المتحدة ستمول ذلك، بل ستموله دول عربية غنية”.
من جانبه، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، صباح الخميس، أنه وجه جيش بلاده لإعداد خطة لتهجير فلسطينيي قطاع غزة.
وأضاف، حسبما نقلت هيئة البث العبرية، أن “الخطة ستشمل خيارات الخروج عبر المعابر البرية، فضلاً عن ترتيبات خاصة للخروج عن طريق البحر والجو”.
وتابع: “أرحب بالخطة الجريئة التي طرحها الرئيس الأمريكي ترامب، والتي قد تسمح لعدد كبير من سكان غزة بالمغادرة إلى أماكن مختلفة في العالم”.
_________________________
www.almenberalhor.com