عاجل
كتاب المنبر الحر

ما المطلوب من الأردن في المرحلة القادمة؟

المنبر الحر – كتب: حسين الرواشدة (الكاتب والمحلل السياسي)

‏لا يوجد مصلحة لأي طرف بزعزعة أمن الأردن واستقراره، كما لا يوجد أي مصلحة للأردن باستعداء أي طرف أو الصدام معه.

على مدة أربعة عقود، على الاقل، قدمنا انفسنا كرافعة للاعتدال في هذه المنطقة، وقمنا بأدوار سياسية وإنسانية حظيت باعتراف العالم واحترامه.

الآن يمكن للأردن الذي بقي « الواقف» الوحيد، في منطقة تهدمت وافتقدت الأمن والاستقرار، أن يعيد «وزن» عناصر قوته واكتشافها، وهي كثيرة، للمقايضة بين ما يُراد له أن يدفعه من أثمان سياسية باهظة، وبين ما يمكن أن يقوم به من أدوار التي تخدم مصالحه اولاً، وتجنب المنطقة مخاطر الفوضى التي لن يسلم منها أحد.

‏صحيح، من واجبنا أن نتحوط ونستعد لأسوأ السيناريوهات.

الرسائل التي وصلتنا من واشنطن كانت صادمة، التحولات الكبرى التي جرت بعد 7 أكتوبر وضعتنا في دائرة الاستهداف، المرحلة التي تعاملنا فيها مع ترامب، بنسخته الأولى، كانت مقلقة، اليمين الصهيوني (بقيادة نتنياهو) لا يضمر لنا خيرا ولا يرانا إلا أرضاً فارغة لتصريف أزماته..،

لكن الصحيح، أيضا، أننا أمام معركة سياسية فرضت علينا، ويجب أن نخوضها بعقلانية وهدوء، وصفة التطرف في مواجهة التطرف غير مفيدة، وسلاح الانتصار في مواجهة الإصرار على الثوابت والمصالح الأردنية العليا هو المنطق السياسي الحكيم، وفي تقديري أننا نملك هذا السلاح وجربناه، ولا بد أن نجربه في هذه المرحلة الخطيرة.

‏يبقى السؤال الأهم : هل أصبح مشروع التهجير قدراً لا مفر منه ؟ الإجابة -بتقدري – لا، عصا التهجير التي تلوح بها واشنطن وتل أبيب تجاه الأردن، تحديدا، تشير إلى اتجاهات أخرى، أقصد أهدافا تتعلق بأدوار مطلوبة من الأردن في سياق محاولات صناعة شرق أوسط جديد.

إذا اردنا أن نفهم أكثر فإن عملية التهجير (من غزة اولاً ) تستند إلى محددين اثنين : رغبة الفلسطيني بالخروج من أرضه، وتوفر جغرافيا تستقبله وتوطنه، الرغبة مشكوك فيها تماما، والجغرافيا موجودة في أكثر من مكان (دول عديدة لا تمانع)، الأردن ليس مطروحا بشكل جدي للقيام بذلك، وهو يرفض الفكرة بالمطلق، ويعتبرها انتحاراً سياسياً.

‏ما هو المطلوب، إذن، من الأردن في المرحلة القادمة؟

الإجابة، بدون الدخول بالتفاصيل، الانصهار والتكيف والاندماج مع مشروع تصفية القضية الفلسطينية وترسيم خرائط النفوذ في المنطقة، نقطة الانطلاق هي الضفة الفلسطينية، سواء من خلال إعادة طرح الخيار الأردني، أو الفيدرالية والكونفدرالية.

لا يمكن للأردن أن يقبل أو يقوم بهذه الأدوار، وعليه سيواجه بضغوطات التهجير القسري، ولديه، وفق معلومات، ما يلزم لمواجهتها، لكن هنالك أدوار، ربما، يمكن للأردن القيام بها للخروج من حالة الصدام إلى حالة التكييف، أهمها الملف الإيراني العابر للحدود (سوريا والعراق )، لدينا ورقة «الشيعة « التي نمتلك خبرة في التعامل معها، هذه مهمة في ترتيب الحالة السياسية القادمة في العراق وإيران، والمنطقة أيضا.

‏المرحلة القادمة ستكون مزدحمة بالأحداث والمفاجآت، المناورات السياسية لن تكون سهلة، التحديات الكبرى قد تطرح فرصاً إذا تمكنا من التعامل معها بأوراق قوة وخطاب عقلاني مقنع ومؤثر.

الأردن ليس رقما بسيطا في معادلات المنطقة والعالم، المهم أن نملك قرار الصمود وديناميكيات المبادرة، وأن نخرج من افتراضات المرحلة السابقة التي وضعتنا في مربع المواجهات، لا في مربع المشاركات والمفاوضات، وان نبدأ بتغيير أدواتنا السياسية للتعامل مع واقع جديد يحتاج إلى خطاب جديد، عندها أتوقع أننا قادرون على تجاوز ما نخشاه بأقل ما يمكن من خسائر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!