المنبر الحر – دمشق | لينا فرهودة
بعد سقوط نظام الأسد “الفار”، بدأت القصص تُروى وتُحكى عن جرائمه التي ارتكبها بحق البلد والشعب الذي عاش داخل أسوار مملكة الخوف لسنوات، إلا أن بعض الفنانين قرروا كسر حاجز الصمت للإفصاح عن تجاربهم مع مأساة ووحشية النظام الفاسد، وأطلقوا العنان لحكاياتهم المكبوتة.
“أسد علينا وفي الحروب نعامة”، هكذا بدأ الفنان بشار إسماعيل بالحديث عن الأسد الفار، وتابع حديثه قائلاً: “نُصّب ملكاً وبدأ بالخطوط العريضة لتحديد مصائر الناس، وهذه المصائر من مرحلة حكم الأب إلى الابن، عنوانها الخوف والجوع والتحكم إلى أن أصيب الإنسان السوري بمتلازمة الديكتاتور”.
وفي حديثه عبر لقاء تلفزيوني عن معاناة الشعب السوري من الحقبة الظالمة التي ترأسها الأسد، أكد أن هذا الشعب المقاوم يلزمه 50 عاماً حتى يتحرر من متلازمة الخوف التي زُرعت في قلوب أبنائه، الذين أصبحوا في زمن الطاغية يخافون الجدران أثناء الحديث على مبدأ أن “الحيطان لها آذان”، لافتاً إلى أن هذه المتلازمة خلقها الأب عن وعي، متابعاً: “من أخذ البلاد بغير حرب يهون عليه تسليم البلاد”، والابن خان حتى الأب حين قال عند سؤاله عن طريقة وصوله للحكم، ليس لحافظ الأسد يد في تسلّمي رئاسة الجمهورية، لقد انتُخبت من صفوف البعث”.
“من كان خارج أسوار العصابة الخطيرة أتيح له الحديث والتعبير والانتقاد وكشف الحقائق، بينما من بقي في الداخل “يرقص مذبوحاً من الألم” وإلا ابتلعته سجون الأسد التي نراها الآن”، هكذا وصف “إسماعيل” حال السوري الذي أجبرته الظروف على الالتزام الصمت، مستنكراً ربط “الأسد” الهارب بطائفة معينة، مبيّناً أن هذه الطائفة نالت نصيبها من الفقر والمأساة.
وبالرغم من محاولاته لالتزام الصمت إلى أنه كان من المعرضين لدخول زنزانات الأسد الوحشية، حيث سرد إسماعيل تجربته قائلاً: “طُلب مني من أشخاص مهمين في تركيا شرح الوضع في سوريا، وحاولت إبعاد ونفي الاتهامات التي كانت تُطلق على الطائفة العلوية نتيجة ارتباطها به، وتحدثنا حينها أنا والدكتور زهير خير بك عن الأوضاع السيئة لهذه الطائفة وتفاجؤوا من هذا الوصف، وبعدها عدت إلى دبي بينما عاد زهير إلى دمشق، وتم اعتقاله من قبل أمن الدولة في اللاذقية، أخذوه مكبّلا بالسلاسل من داخل مطعم وحققوا معه وطلبوني بالاسم، فيما بعد حُوّل إلى السجن الأحمر في صيدنايا ووضع في عدرا ريثما آتي أنا للتحقيق، لكن أنا لم أكن أعلم بهذه التفاصيل، اتصل بي شخص يدعى “محمد حمشو” وطلب مني الحضور فوراً مستخدماً عبارة “المعلم بدو ياك” للدلالة على ماهر الأسد كفخ نصبه لي، إلا أن الرب حماني من تخطيطاتهم الإجرامية.
وبالحديث عن “سامر المصري” الفنان الذي دفع ثمن موقفه السياسي غالياً، وحُرم من بلده ورؤية من يحب 14 عاماً، ذكر المصري أنه في بداية الثورة السورية طُلب منه أن يشارك كوسيط في المصالحات بدوما، وعند سؤاله عن اللقاءات التي أجراها مع “الأسد” قال: “أذكر أنه في بداية الثورة شاركت في مراسم الدفن لـ 11 شهيد في دوما، حيث كان الإعلام في تلك الأثناء يروّج على أنهم 4 أو 5 أشخاص خرجوا ضد النظام، إلا أنني حينها لم أستطع الدخول لـ “دوما” نتيجة الازدحام وعدد الأشخاص المشاركين في تشييع الشهداء، وأثناء الدفن التقطت صورة بعدسة هاتفي “نوكيا” وعند لقائي بالأسد أطلعته عليها، فأخبرني بأن المقطع صناعة قناة الجزيرة فأكدت له بأنها تصوير يدي، وكأنه رافض التصديق بأن شعبه لا يريده”.
وعن سبب مغادرته سوريا، أكد المصري أنه منذ بداية الثورة عام 2011 شعر بأن الشعب على حق وقرر الوقوف مع الثورة بصمت كي لا يضحي بعائلته، إلا أنه رفض المشاركة في مسيرات التأييد عندما طُلب منه فتعرض للتهديد وأرسلوا له رسالة محتواها أنهم علموا بمكان مدرسة ابنه على طريق المطار، وعاش حالة من القلق والخوف أجبرته على مغادرة بلده.
واستذكر المصري بعض الفنانين الذين طالتهم يد النظام وعانوا من ظلمه، ومنهم الممثل “زكي كورديلو” والذي قُتل هو وابنه مهيار في سجون الأسد بعد اعتقاله من مظاهرة، والممثلة “سمر كوكش” ابنة المخرج علاء الدين كوكش حيث كتبت عبر صفحتها على “فيسبوك” منشور تطالب من خلاله بمعتقل، وتم اعتقالها من داخل منزلها وسجنت 5 سنين بتهمة الإرهاب، إضافة إلى الممثلة “مي سكاف” والتي تعرضت للضرب من قبل ضابط في إحدى المظاهرات مما أدى إلى فقدانها الذاكرة حينها.
ولم تكن الممثلة “علياء سعيد” في منأى عن هذا الظلم، حيث كشفت في إحدى المقابلات عن تعرضها للسجن مدة 57 يوماً بعد أن انتقدت الطيران السوري، وسُجنت بتهمة الإرهاب، وأكدت أن السجناء يتعرضون لـ 3 أنواع من التعذيب “نفسي وجسدي وجنسي”، وروت معاناة النساء داخل السجون حيث أجبرهن رجال الأمن والمسؤولين على الاعتراف بجهاد النكاح.
والتزم بعض الفنانين الصمت طيلة حكم الأسد خوفاً على عائلاتهم وحياتهم، إلا أن بعضهم عُرف بمواقفه المؤيدة والداعمة للنظام، وما أن سقط النظام المخلوع وهرب الأسد إلى روسيا، بدؤوا بتبديل مواقفهم والتراجع عنها، ومنهم الممثل “أيمن زيدان” الذي وجه من خلال منشور عبر صفحته على “فيسبوك” اعتذار للشعب السوري، مشيراً إلى أنه كان أسير لثقافة الخوف، كما تراجعت الممثلة “سوزان نجم الدين” عن مواقفها السابقة واحتفت بسقوط النظام قائلة “سوريا للسوريين، سوريا بتجمعنا”.
أما الممثلة “سلاف فواخرجي” بعد الضغط الذي تعرضت له من قبل المتابعين حذفت الصور التي تجمعها مع بشار وأسماء، من صفحتها الرسمية على “انستغرام”، بدوره رفض الممثل “عبد الحكيم قطيفان” من التصالح مع الفنانين الذين دعموا “الإرهاب والقمع والتشريد” الذي مارسه نظام الأسد، وأكد أنه لن يسامح من اتهم المعارضين بالخيانة والعمالة.
يذكر أن العديد من الفنانين السوريين سواء خارج سوريا أو داخلها نشروا تهنئات بمناسبة نيل الحرية وسقوط نظام الأسد، وتمنوا حياة هادئة لجميع السوريين، ودعوا للتكاتف والعمل من أجل سوريا.