غياب الأردن عن تصريحات “حماس”: بين لغة العقل والاستعجال في إصدار الأحكام؟
المنبر الحر – محرر الشؤون السياسية
بالتزامن مع إعلان مسؤولين من قطر وحركة حماس أمس عن التوصل إلى وقف لإطلاق النار في حرب إسرائيل على غزة، وإطلاق سراح عشرات الأسرى، قال خليل الحية، نائب رئيس حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، في كلمة متلفزة بعد إعلان اتفاق وقف إطلاق النار رسميًا: “إن ما قامت به نخبة القسام في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 من إعجاز وإنجاز عسكري وأمني سيبقى مفخرة لشعبنا ومقاومتنا تتناقله الأجيال جيلًا بعد جيل، وقد أصابت كيان العدو في مقتل”.
وأكد الحية أن الاحتلال حاول منذ بدء الحرب القضاء على المقاومة، وتدمير قطاع غزة، وتهجير أهله، وتغيير شكل المنطقة، وتصفية قضية فلسطين، مضيفًا: “الاحتلال المجرم اصطدم بصلابة شعبنا وتمسكه بأرضه، فلم يحقق أيًا من أهدافه”.
الحية يشكر الدول الداعمة
وخلال كلمته، شكر الحية عددًا من الدول على دورها في دعم قطاع غزة خلال العدوان الإسرائيلي الأخير، إلا أنه لم يأتِ على ذكر الدور الأردني بشكل واضح وصريح، ما أثار تساؤلات واسعة حول أهمية الإشارة إلى الجهود الأردنية ودورها المحوري.
فرغم الجهود الواضحة التي بذلتها المملكة الأردنية الهاشمية لدعم صمود الشعب الفلسطيني، سواء على الصعيد السياسي أو الإنساني، فإن الحية لم يُشر إلى هذه الجهود في تصريحاته، مما أثار موجة من الاستياء في الأوساط الأردنية والفلسطينية.
وقال الحية إن الفلسطينيين ظلوا شامخين وثابتين في أرضهم حتى آخر لحظة، معربًا عن الشكر “لكل من وقف مع شعبنا ومقاومتنا، خصوصًا جبهات الإسناد المتمثلة في حزب الله والجماعة الإسلامية في لبنان”. وأكد أن هذه الجبهات “أبلت بلاءً حسنًا وحوّلت حياة الاحتلال إلى جحيم، وقدمت تضحيات كبيرة تجسد أخوة الإسلام والعروبة”.
الحية: الفلسطينيون ظلوا شامخين وثابتين في أرضهم حتى آخر لحظة، والشكر لكل من وقف مع شعبنا ومقاومتنا
وتابع الحية بتوجيه الشكر للمقاومة في الضفة الغربية، خصوصًا في مخيم جنين والقدس المحتلة والداخل المحتل، إضافة إلى الوسطاء في قطر ومصر على جهودهم منذ اللحظة الأولى وحتى التوصل إلى الاتفاق؛ كما أعرب عن الشكر لكل الدول التي دعمت الفلسطينيين، وكل من دافع عن فلسطين بالقول والفعل والمقاطعة.
جهود الأردن في دعم غزة
وفي هذا الصدد، لا بد من الإشارة أولا إلى أن الأصوات التي تتهم “حماس” بـ”إنكار” الدور الأردني في غزة عليها تحكيم لغة العقل، لاسيما وأن مصر وقطر كانتا على تنسيق دائم مع الأردن خلال مفاوضات الهدنة في الدوحة.
كما يجب ألا ننسى أن “حماس” تطرقت أكثر من مرة على لسان الناطق العسكري باسم الحركة، أبو عبيدة، إلى الدور الأردني وجهوده المحورية في دعم غزة منذ 7 أكتوبر 2023، لا سيما خلال فترات الأزمات. ويتجلى هذا الدور في:
الدعم الإنساني والإغاثي: إرسال القوافل الطبية والإغاثية عبر الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية، التي شكلت شريان حياة للقطاع المحاصر.
الجهود الدبلوماسية: تحركات القيادة الأردنية على المستوى الدولي، والدفاع المستمر عن القضية الفلسطينية في المحافل الدولية.
المستشفيات الميدانية الأردنية: تقديم الخدمات الطبية لآلاف المرضى والجرحى في غزة، مما يشكل امتدادًا للدور الأردني التاريخي في دعم الفلسطينيين.
أهمية الاعتراف بالجهود الأردنية: كلام العاقل يختلف عن “مثيري الفتن”
الاعتراف بجهود الأردن لا يرتبط بـ”كلمة” شكر أو تقدير، فالدور الإقليمي الذي تلعبه المملكة في دعم القضية الفلسطينية ومساندته الدائمة لأهل غزة يعكس العلاقة الأخوية بين الشعبين الفلسطيني والأردني.
وفي ضوء هذه المعطيات، يبقى التساؤل حول غياب ذكر الأردن مجرد سهوة، ولا يعكس توجهًا سياسيًا معينًا. كما تظل الجهود الأردنية في دعم غزة والقضية الفلسطينية واضحة وراسخة، ولا يمكن تجاوزها أو التقليل من شأنها.
الاعتراف بجهود الأردن لا يرتبط بـ “كلمة” شكر أو تقدير، فالدور الإقليمي الذي تلعبه المملكة في دعم القضية الفلسطينية ومساندته الدائمة لأهل غزة يعكس العلاقة الأخوية بين الشعبين الفلسطيني والأردني
وفي تحليل المشهد عن قرب، يرى محللون أن الحية لم يتجاهل في خطابه السياسي أمس الدور الأردني، إنما عبّر عن فرحته بنجاح مفاوضات الهدنة بعد “مخاض عسير”. لذا يجدر عدم المبالغة في ردود الفعل “الناقمة” على حماس. وأوضح محللون في تصريح خاص لـ”المنبر الحر” أن لا أحد يستطيع “تهميش” الدور الأردني في غزة، ولا داعي لأن يلجأ بعض الساعين إلى “التأزيم” لاستغلال الموقف.
الصفدي: المعطاء لا ينتظر “الشكر”
من جانبه، قال نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي: “حماس فكرة في المحافل الدولية، والفكرة لا تموت. نحن لم نقدم شيئًا لحماس ولن نقدم. تكفينا شهادة أهل غزة فينا”.
وأضاف: “نحن من كسر الحصار. لم تجرؤ دولة في العالم على فعل ما أقدم عليه الأردن، لدرجة أن كل العالم اقتبس من الأردن فكرة كسر الحصار واستعان بالأردن، وكانت طائرات سلاح الجو الأردنية C130 بمثابة (سرفيس جوي) لنقل المواد الغذائية والطبية والمواد الإغاثية لأهل غزة”.
واختتم الصفدي بقوله: “لا ننتظر ولن ننتظر (شكرًا)، فالمعطاء لا ينتظر الشكر”.
الصفدي: حماس فكرة في المحافل الدولية، والفكرة لا تموت؛ نحن لم نقدم شيئًا لحماس ولن نقدم .. تكفينا شهادة أهل غزة فينا
الأردن “عرّاب” المنطقة
في ظل الأحداث الساخنة بالمنطقة، يضطلع الأردن بدور محوري، إذ أخرج المنطقة من أزمات عديدة، خصوصًا في سوريا.
وخلال مفاوضات الهدنة في الدوحة، وضعت مصر الأردن أولًا بأول في صورة التطورات، والدليل على ذلك اجتماع العقبة الذي عُقد مؤخرًا بحضور وزراء خارجية العديد من الدول.
لذا، يبقى خطاب خليل الحية أمس مجرد رسالة “شكر” للدول التي احتضنت مفاوضات الهدنة، أما العلاقات بين الشعبين الأردني والفلسطيني فهي أعمق من ذلك بكثير وليست “مرهونة” بكلمات الشكر والتقدير.
—————————————-
www.almenberalhor.com