رسالة لقمة القاهرة .. لا مكان لضعيف ؟

المنبر الحر – بقلم: د. فوزي السمهوري ( الكاتب والمحلل السياسي)
تستضيف القاهرة اجتماع القمة العربي الطارئ في ظل مرحلة من أخطر المراحل التي تستهدف الأمن القومي العربي الذي بدأت ملامح تطبيقه في إستمرار الكيان الإسرائيلي الإرهابي بتصعيد وتكثيف حرب الإبادة والتطهير العرقي بحق الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة وإحتلال اراض جديدة في كل من سوريا ولبنان.
مما يحمل ويتطلب من القادة العرب إتخاذ موقفا موحدا ليس رافضا للمخطط الإسروامريكي فحسب بل متصديا للمشروع العدواني التوسعي الإسرائيلي كوكيل عن الولايات المتحدة الأمريكية الذي يستهدف رسم خارطة جديدة للشرق الاوسط بتقسيم دول عربية كبرى ولضمان نفوذها وهيمنتها وسطوها على ثروات الدول العربية لعقود قادمة وتسييد” إسرائيل ” لقيادة المنطقة العربية وتغييب لمظاهر سيادتها.
فلسطين قضية جامعة
التراخي العربي الرسمي وغياب إستراتيجية عربية موحدة تكفل وتضمن وصون الأمن والإستقرار ووحدة اراض الاقطار العربية وفق رؤية شمولية على مدار العقود السابقة بالتعامل من موقع الندية والمصالح المشتركة مع دول العالم وخاصة مع امريكا كونها الدولة العظمى التي بحكم إنحيازها ودعمها اللامحدود للكيان الإستعماري الإحلالي العنصري الإسرائيلي بإنقلاب على واجباتها كدولة دائمة العضوية بمجلس الأمن بالعمل على ترسيخ الامن والسلم الدوليين ومتابعة ضمان تنفيذ القرارات الدولية بغض النظر عن الفصل التي تمت بموجبه إصدارها.
مما مكنه من شن حروب عدوانية توسعية اسفرت عن إحتلال اراض عدد من الدول كما اسفرت عن إحتلال باقي ارض فلسطين التاريخية في إنتهاك صارخ وجسيم لميثاق ومبادئ واهداف الأمم المتحدة كما حالت وتحول دون إلزام سلطات الإحتلال الإستعماري الإسرائيلي بوقف جرائمها ورفض تنفيذ مئات القرارات الدولية الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة وعن مجلس الأمن منذ عام ١٩٤٧ .
هذا الحال العربي المتشظي شكل حافزا للولايات المتحدة الأمريكية مع قرب نشوء نظام عالمي جديد الإنتقال بمخططها التوسعي عبر اداتها ألكيان الإسرائيلي المصطنع لمرحلته الثانية بعد أن خالها النجاح بتحقيق تصفية القضية الفلسطينية عبر :
▪︎ تقويق إمكانية إقامة دولة فلسطينية مستقلة تنفيذا للقرارات الدولية ذات الصلة ولقرار محكمة العدل الدولي القاضي بعدم شرعية وقانونية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة وتمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة .
▪︎ بتهجير قسري للشعب الفلسطيني خارج وطنه التاريخي ” جريمة تطهير عرقي ” بدءا من قطاع غزة تمهيدا للإنتقال بنفس السيناريو إلى الضفة الغربية وما يمثله من مس بالأمن القومي الأردني والمصري .
إن إستهداف الدول المحيطة بفلسطين المحتلة ” الأردن وسوريا ولبنان ومصر ” ونجاح المخطط الإسروامريكي لا سمح الله بما يمثله من سياج حام ومانع وصد يعني الإنتقال إلى المحيط الثاني من مركز الدائرة ” فلسطين ” إما بالقوة العسكرية المباشرة او إثارة زعزعزات أمنية وإقتصادية واجتماعية في مسعى للمس بشرعية أنظمة حكم وتفتيت جبهاتها الداخلية .
ما تقدم يشير إلى أن القضية الفلسطينية ببعدها القطري لم تعد كما يحلوا للبعض إعتبارها قضية فلسطينية هروبا من مسؤولياتها وتنفيذا لضغوط أمريكية وإنما قضية عربية قومية عربية وإسلامية بامتياز .
أهداف العدوان الإسرائيلي
للعدوان الإسرائيلي الإرهابي المدعوم امريكيا اهدافا عديدة منها :
أولا : التهجير القسري بإقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه ووطنه بهدف إقامة دولة اليهود اليهودية على كامل ارض فلسطين التاريخية خالية من اي ديانة أخرى .
ثانيا : التحرر من الالتزامات المترتبة على الكيان الإستعماري الإسرائيلي بموجب المعاهدات والإتفاقيات الثنائية المبرمة برعاية أمريكية واممية كأتفاقية كامب ديفيد واوسلو ووادي عربة وما قد تعنيه من تغيرات جغرافية وديموغرافية .
ثالثا : تقويض الأمن والسلم الإقليمي لضمان النفوذ والهيمنة الإستعمارية الأمريكية المباشرة وغير المباشرة .
رابعا : إدماج إسرائيل بإستراتيجيتها العدوانية التوسعية بالوطن العربي الكبير دون إحترام لحق الشعب الفلسطيني بالحرية والإستقلال وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف بما يمكنها فرض سطوتها المستندة للقوة الأمريكية على إستقلالية القرار السياسي والإقتصادي والعسكري والامني والتكنولوجي في الدول العربية خدمة للمصالح الأمريكية .
خامسا : منع اي شكل من أشكال القرار العربي الوحدوي او التنسيقي لحماية الأمن والإستقرار وتحقيق النهضة العلمية والصناعية والعسكرية بما يؤهلها لتبوأ قطب فاعل على الساحة العالمية ويكفل حريتها وسيادتها الفعلية على ثرواتها وإستقلالها .
سادسا : إخضاع كامل المنطقة العربية سياسيا وإقتصاديا للنفوذ الأمريكي وترسيخ سياسة فرض الأمر الواقع المستند للقوة العسكرية الغاشمة لعقود قادمة .
المطلوب من قمة القاهرة التصدي للمخطط الإسروامريكي :
ما تقدم يتطلب من قمة القاهرة وضع إستراتيجية موحدة للتصدي للمخططات الصهيوامريكية قوامها :
اولا : تجميد جميع اشكال الخلافات البينية على طريق حلها نهائيا .
ثانيا : تشكيل مظلة أمنية وعسكرية دفاعا عن الأمن القومي العربي والحيلولة دون الإستفراد بكل دولة على حدى .
ثالثا : اتخاذ الإجراءات والتدابير الفاعلة للضغط على أمريكا سياسيا وإقتصاديا وعلى اداتها الكيان الإسرائيلي الإرهابي بقطع كافة اشكال العلاقات والعمل على تجميد عضوية الكيان الإسرائيلي الإرهابي بالجمعية العامة للأمم المتحدة لإرغامها على تنفيذ القرارات الدولية بدءا من قرار ١٨١ و٢٧٣ وصولا لباقي القرارات الصادرة عن الجمعية العامة بدورتها الاخيرة ولقرارات مجلس الامن حتى قرار ٢٣٣٤ ولإحترام مبادئ وأهداف وميثاق الأمم المتحدة .
رابعا: تبني موقف عربي موحد للرؤية الفلسطينية وتطويرها والبناء عليها إيجابا “إن لزم الأمر” التي تقدم بها الرئيس محمود عباس للقمة وتجديد التأكيد على الإلتزام بالمبادرة العربية الصادرة عن قمة بيروت عام ٢٠٠٢ وترجمة مضامينها عمليا عبر إتخاذ إجراءات عملية ضاغطة سبيلا لفرض تنفيذها لتمكين الشعب الفلسطيني من الحرية والإستقلال وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وتمكين اللاجئين الفلسطينيين من العودة إلى مدنهم وقراهم التي طردوا منها عنوة عام ١٩٤٨ .
خامسا: تفعيل إتفاقية الدفاع العربي المشترك عمليا وإتفاقية التكامل الإقتصادي وكافة الإتفاقيات العربية المشتركة بإخراجها من الإدراج المغلقة .
سادسا: الإيمان بأن إجهاض المخطط الإسروامريكي بفلسطين ومحيطها السبيل الوحيد لصون وحماية الأمن القومي العربي الشامل فالقضية الفلسطينية لم تعد تقتصر بابعادها ونتائجها على فلسطين وإنما يمتد على الوطن العربي الكبير سلبا كان ام إيجابا مما يتطلب من جميع الدول العربية ان تتعامل معها كقضية داخلية .
قمة القاهرة تكتسب أهمية غير عادية من حيث توقيتها واهدافها برفض التهجير والمس بالأمن القومي الأردني والمصري كمقدمة لإستهداف الأمن القومي العربي بمفهومه القطري والشامل .
فلسطين كانت وستبقى مركز الصراع العربي الإسرائيلي وإن دعم نضال وصمود شعبها على أرض فلسطين التاريخية بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني حتى الحرية والإستقلال دفاع عن سيادة وأمن الوطن العربي الكبير بأقطاره.
الشعب الفلسطيني طليعة الشعب العربي يتطلع لقمة القاهرة الطارئة بثقة للإنتقال بترجمة مركزية القضية الفلسطينية ووحدة الموقف من المربع النظري إلى مربع العمل الذي يفرض نفسه قطبا مستقلا فاعلا على الساحة الدولية ضامنا وكافلا لأمنه ومصالحه وسيادته .
يجب عدم الإستهانة بمقومات القوة العربية بما تتمتع به وتمتلكه من مكانة جيو سياسية وإقتصادية وديموغرافية يؤهلها للتعامل مع ترامب من موقع الندية .
فليكن شعار القمة للتعامل مع امريكا بمعادلة الميزان ذا الكفتين :
• الأولى المصالح المشتركة
•والثانية مقابلها إلزام إسرائيل إنهاء إحتلالها لأراض الدولة الفلسطينية المحتلة ولجميع الأراضي العربية المحتلة … ؟
ترامب يقول السلام من خلال القوة اي إقصاء لقوة الحق والعدل ، هذا القول يستدعي من مؤتمر القاهرة الوقوف عنده والتحول لتعزيز وتجسيد عوامل قوتنا العربية المشتركة إلى قوة معادلة تكفل أمن وإستقرار وازدهار الوطن العربي وسيادته وحرية فلسطين وإستقلالها تبقى العنوان … لا مكان لضعيف على الساحة العالمية… والعمل لمغادرة مربع الضعف بات امرا ملحا….؟