بين الهلع والحقيقة..ماذا نعرف عن الفيروس الرئوي HMPV؟
المنبر الحر -دعونا نسترجع اللحظة التي تغيّر فيها العالم. كان ذلك في أواخر عام 2019، عندما ظهر فيروس غير مألوف للمرّة الأولى، ليصبح بعد ذلك عاصفة صحية عالمية أوقفت الحياة كما عرفناها.
اليوم، بينما تتصدّر التقارير حول فيروس “ميتانيموفيروس” البشري (HMPV) عناوين الصحف، يعود السؤال القديم إلى الواجهة: هل نواجه تهديداً جديداً؟
لكنّ القصة هنا ليست تكراراً لتلك اللحظة. إنها درس من الماضي يمكننا تطبيقه في الحاضر..
الظهور الأول للفيروس: نظرة إلى الوراء
“الميتانيموفيروس” ليس غريباً كما يبدو، فقد تمّ اكتشافه للمرّة الأولى في عام 2001 في هولندا، وليس في الصين. فهو ليس تهديداً جديداً بالكامل. فهناك دراسات تعود إلى ما قبل اكتشافه تُشير إلى وجوده منذ عقود، وربما قرون، مختبئاً بين أعراض نزلات البرد والإنفلونزا الموسمية.
ومع ذلك، فإنّ التوقيت مهم. رصد زيادة في الإصابات في الصين يتزامن مع فصول الشتاء القاسية والأنظمة الصحية المجهدة. ولكنه أيضاً يُشير إلى تطوّر قدرات الرصد الطبي، وليس بالضرورة إلى ولادة جديدة لوباء عالمي.
من الأكثر عرضة للخطر؟
“الميتانيموفيروس” قد يبدو كضيف غير مرحّب به، لكنه ليس عدواً غير معروف. في أغلب الحالات، هو يُسبّب أعراضاً خفيفة تُشبه نزلات البرد: سيلان الأنف، السعال، الحمى. لكنّ الخطر يكمن في الفئات الأكثر ضعفاً: الأطفال الصغار، كبار السن، وأولئك الذين يعانون من أمراض مزمنة أو ضعف في جهاز المناعة.
التهابات الجهاز التنفّسي السفلي، مثل الالتهاب الرئوي، ليست شائعة لكنها ممكنة. وهنا يكمن التشابه مع الفيروسات الأخرى التي عرفناها – المخلوي التنفّسي (RSV)، والإنفلونزا، وكوفيد-19.
كيف ينتشر؟ ولماذا يجب أن نهتم؟
ينتقل “الميتانيموفيروس” بالطريقة المعتادة للفيروسات التنفّسية: الرذاذ الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوّثة. ورغم أننا نعرف الكثير عن طرق الانتقال، إلا أن هناك أموراً مجهولة حتى الآن، مثل سرعة انتشاره في البيئات المكتظة.
لكنّ الخوف ليس من الانتشار فقط، بل من عدم الاستعداد. تكرار دروس الماضي يُذكّرنا بأنّ الفيروسات الصغيرة قد تحمل تأثيرات كبيرة.
ماذا عن الوقاية؟
هل تعلّمنا شيئاً من كوفيد-19؟ الإجابة نعم، تدابير الوقاية أصبحت مألوفة: غسل اليدين جيداً، تجنّب لمس الوجه، تغطية الفم عند السعال أو العطس، والبقاء في المنزل عند الشعور بالمرض. هذه ليست فقط إجراءات وقائية، لكنها دروس تعلّمناها بالطريقة الصعبة.
لكن الفرق هنا أنّ الميتانيموفيروس لا يتطلّب إغلاق الحدود أو تدابير الحجر الصحي الجماعي. على الأقل، ليس الآن. التحدّي الحقيقي يكمن في نشر الوعي من دون إثارة الذعر.
هل العالم مستعدّ؟
الإجابة معقّدة، فبينما ترصد الصين وإندونيسيا ودول أخرى الوضع عن كثب، لا يزال التهديد محدوداً. البيانات تشير إلى أنّ 6.2% من نتائج الاختبارات التنفّسية الإيجابية في الصين مرتبطة بالفيروس، وهي نسبة مرتفعة لكنها ليست كارثية.
الخبراء يشدّدون على أهمية الرعاية الطبية الداعمة في الحالات الشديدة، مثل الأوكسجين أو التهوية الميكانيكية، لكنهم يؤكّدون أيضاً أن معظم الإصابات ستظل خفيفة ويمكن معالجتها بالراحة والترطيب.
الإعلام الغربي: بين الاستغلال والمبالغة
في عالمٍ متقلّب يحكمه الخوف من المجهول، يجد المرء نفسه أمام سيلٍ من الأخبار المتضاربة. على مدار الأيام الماضية، تداولت وسائل الإعلام الغربية تقارير تفيد بظهور فيروس جديد في الصين، واصفةً إياه بأنه “غير معروف وشديد العدوى”. التوصيف لم يكن بريئاً، إذ لم يكن مستنداً إلى حقائق علمية دقيقة، بل إلى رغبة واضحة في إثارة الهلع وبناء سردية تسعى إلى تصوير الصين كمنطقة كارثية تُهدّد الأمن الصحي العالمي.
لكن الردّ الصيني جاء واضحاً وصريحاً. وزارة الخارجية الصينية أكدت أن الفيروس الذي أثار هذا الجدل ليس سوى “فيروس ميتانيموفيروس” (HMPV)، وهو ليس جديداً بأيّ حال من الأحوال.
كما أنّ المتحدّث باسم منظمة الصحة العالمية أشار إلى أنّ “الميتانيموفيروس يُسبّب أعراضاً شبيهة بنزلات البرد في أغلب الحالات، وأنّ خطر تحوّله إلى وباء عالمي يظلّ محدوداً”. لكنّ المنظّمة أكدت أهمية تعزيز أنظمة المراقبة الوبائية العالمية وتحديث الخطط الاستباقية للتعامل مع أيّ تطوّرات مفاجئة. ومع ذلك، يُصرّ البعض على توظيف هذه التطورات العلمية لخدمة أجندات سياسية وإعلامية.
الحقائق العلمية في مواجهة التهويل
لجنة الصحة الوطنية الصينية أصدرت بياناً مفصّلاً أوضحت فيه أنّ جميع الأمراض التنفّسية الحالية في الصين تعود إلى مسبّبات معروفة، ولا توجد أمراض معدية جديدة.
وأشارت إلى أنّ ما يحدث الآن هو أمر طبيعي ومتكرّر خلال فصل الشتاء، حيث تزداد معدلات الإصابة بالأمراض التنفّسية الموسمية مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفّسي (RSV)، بالإضافة إلى فيروس HMPV.
هذا الفيروس، كما أظهرت الدراسات، ينتشر في جميع أنحاء العالم على مدار السنة، ويصل ذروة نشاطه كلّ بضع سنوات بشكل طبيعي. إذاً، ما الذي يجعل هذا الفيروس يتصدّر العناوين الآن؟
هل يجب أن نخاف؟
الخوف لا يُفيد، لكنه يُمكن أن يدفعنا إلى التصرّف بحكمة. الميتانيموفيروس ليس وباءً في طور التكوين، لكنه دعوة للاستعداد المستمر. الوباء المقبل، إن وُجد، سيختبر مرة أخرى قدرتنا على التعلّم من التاريخ.
في النهاية، العالم الذي تعلّم كيف يواجه كوفيد-19 يمكنه مواجهة أي شيء – إذا كان مستعدّاً.
_________________________
www.almenberalhor.com