بعد سقوط الأسد… ما مصير الطائفة العلوية؟ (فيديو وتفاصيل)
المنبر الحر – تقرير خاص
سقط نظام بشار الأسد ووجدت الطائفة العلوية، التي ينتمي إليها الرئيس المخلوع، نفسها أمام مصير مجهول. وسط الخوف من الأعمال الانتقامية، والوضع الاقتصادي الصعب بالبلاد، والسلطات الجديدة المنبثقة عن تيار إسلامي، تبقى هذه الأقلية في حيرة من أمرها وقلق على مستقبلها. من شوارع دمشق مرورا بأحياء أوسلو، تم خلالها لقاء العديد من العلويين وسماع آرائهم.
ما هي سوى أيام قليلة على تولي السلطات الجديدة مقاليد الحكم في سوريا، حتى بدأت التوترات تطفو إلى السطح مع أفق سياسي لم تتضح معالمه.
فقد خرج الآلاف من العلويين، الأربعاء بتاريخ 2024/12/25، اي في العام المنصرم، للتظاهر والاحتجاج في عدد من المدن السورية. والسبب: فيديو متداول يظهر اعتداء مفترضا على مقام للطائفة في حلب، قالت وزارة الداخلية السورية إنه “قديم ويعود لفترة تحرير” المدينة، مشيرة إلى أن الفعل “أقدمت عليه مجموعات مجهولة”.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن متظاهرا لقي حتفه في حمص بعدما فتحت قوات الأمن في المدينة النار لتفريق محتجين.
كما أفاد المرصد أيضا بخروج آلاف السوريين العلويين إلى الشوارع في طرطوس واللاذقية وجبلة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وهي أبرز معاقل هذه الطائفة.
ومن جانبها، أطلقت إدارة العمليات العسكرية بالتعاون مع وزارة الداخلية السورية الخميس عملية في محافظة طرطوس لملاحقة من أسمتهم “فلول ميليشيات” الرئيس المخلوع بشار الأسد، وذلك بعد يوم من احتجاجات دامية مع مسلحين تابعين للنظام السابق.
وأكد المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل 17 شخصا الأربعاء في اشتباكات بريف طرطوس بعد أن حاولت قوات أمنية اعتقال ضابط تولى مناصب بارزة في عهد النظام السابق له علاقة بسجن صيدنايا.
● “حزمنا حقائبنا وغادرنا”
“قيل لنا إنهم سيأتون ويذبحوننا… حزمنا حقائبنا وغادرنا”. هكذا عبّرت صِبا عن مخاوفها حينما التقاها صحفيون قدموا إلى سوريا، بالقرب من دمشق.
قبل بضعة أيام، في الثامن من شهر كانون الأول/ديسمبر الجاري وفي هجوم خاطف، استطاعت هيئة تحرير الشام بقيادة أحمد الشرع (الذي كان يكنى أبو محمد الجولاني) إلى جانب فصائل معارضة مسلحة أخرى من السيطرة على العاصمة السورية.
بعد فرار بشار الأسد، الذي حكمت عائلته البلاد بالحديد والنار والظلم لأكثر من خمسة عقود، تقول صبا متنهدة: “كان أزواجنا ضباطا في جيش هذا الغبي”.
وتنتمي صبا وعائلتها إلى نفس طائفة الرئيس الفار العلوية، التي يبلغ عددهم اليوم في سوريا مليوني نسمة، أي حوالي 10٪ من سكان البلاد.
وتنحدر الأقلية العلوية في سوريا من المنشقين الشيعة في القرن الحادي عشر، وعرفت التهميش خلال قرون بسبب الحكم السني. لكن تغير الوضع في 1970، عندما استولى حافظ الأسد المنتمي لهذه الطائفة على السلطة بالقوة.
● “سقط النظام وسحبهم معه…”
كان معظم العلويين يعيشون في الأرياف حياة بسيطة، ومع استيلاء حافظ الأسد على الحكم تغيرت أوضاعهم اجتماعيا وسياسيا نسبيا، إذ بدأ العديد منهم في تولي مناصب في الإدارة والجيش وأجهزة المخابرات وغيرها.
وفي السياق، يذكّر فابريس بالانش، الأستاذ المحاضر في جامعة ليون2 الفرنسية، والمختص في الشأن السوري، قائلا: “سواء في الجيش أو الشرطة أو الإدارة أو حتى القطاع الصناعي العام، 80٪ من العلويين كانوا يشغلون مناصب في مؤسسات الدولة”.
لقد وفر لهم النظام، مواطن شغل من المال العام، وأراد بذلك ضمان ولائهم. إلا أن فابريس بالانش يضيف “سقط النظام وسحبهم معه، فالطائفة ستعاني ويلات الفقر لا محالة”.
وبنبرة صارخة، قال سليمان، التقاه مراسلو المنبر الحر على بضع كيلومترات من العاصمة دمشق، “حتى منزلي ليس ملكي، إنه ملك للجيش”.
وأضاف سليمان، وهو رجل مكفوف من الأقلية العلوية لا يملك سوى ما يُرى حوله من أغراض، قائلا: “هكذا أراد لنا بشار الأسد العيش: بالتسول للدولة. وإذا تخلت عنك الدولة ستفقد كل شيء وتموت”.
ويوضح فابريس بالانش أنه منذ سبعينيات القرن الماضي، “كان والد الأسد ذكيا بما يكفي لتشكيل تحالفات مع قبائل وطوائف وفئات اجتماعية أخرى”.
● “الذراع المسلحة” للنظام
وفي هذه المنطقة غير المستقرة، استطاع الأسد الابن الظهور كمحام للأقليات، وعلى وجه الخصوص المسيحيين، من خطر “الجهاديين”.
وقد خلّفت هذه الحرب حوالي 500 ألف قتيل، بينهم 231 ألفا من المدنيين، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان. وتفيد هذه المنظمة السورية غير الحكومية بأن 87% من الضحايا المدنيين سقطوا بسبب القوات الموالية للأسد.
وبما أن العلويين يمثلون غالبية هذه القوات، فقد أصبحوا هدفا لانتقام مضاعف، كما يقول بالانش، لأنهم يعتبرون “الذراع المسلحة” للنظام.
وفي أيار/مايو 2012، قُتل حوالي مئة شخص في بلدة الحولة بالقرب من حمص، معظمهم من السنة، على يد “الشبيحة”.
وقد سُمح لهذه الميليشيات، وهي مجموعات مسلحة علوية أساسا تابعة لنظام الأسد، بتنفيذ ما يعرف بـ”الأعمال الدنيئة”، إذ تتحرك خارج الإطار الرسمي للجيش، بالحفاظ “إلى حد ما” على صورة القوات النظامية.
● “الجولاني… إذا لم تقم بذلك، فسوف نفعل”
وفي مطلع مايو/أيار 2013، تعرضت أحياء تقطنها أغلبية سنية على الساحل، في البيضا وبانياس، لهجوم شنته ميليشيات موالية للنظام. وقتلت في الهجوم عائلات بأكملها، بمن فيها من نساء ورضع، وفقا لمنظمة هيومن رايتس ووتش، التي أكدت إعدام 248 شخصا.
وهدد رجل التقاه مراسلو المنبر الحر في إدلب قائلا: “يجب معاقبة من قتل السنّيّين واغتصب نساءنا” وأضاف: “الجولاني، إذا لم تقم بذلك، فسوف نفعل”.
وبدورهم، عانى العلويون أيضا من كيد العنف السياسي والطائفي. ففي شهر مايو/أيار من العام 2016، قُتل 148 شخصا في هجوم طال طرطوس وجبلة، وهما مدينتان تقطنهما غالبية علوية. وتبنى الهجوم آنذاك تنظيم “الدولة الإسلامية”، “عصابة داعش الإرهابية”.
من المؤكد أن المجازر التي ارتكبت بين السُنّيين والعلويين يمكن أن تُفسَّر جزئيا في سياق حرب “سياسية” بين المعسكر “المؤيد للأسد” ــ ولم يكن علويا حصريا ــ وفصائل المعارضة المناهضة للأسد _ ولم تكن جميعها سنية.
لكن الطائفة العلوية التي تؤمن بتناسخ الأرواح، تعتبر الحركات السلفية “كافرة” ويعتبرون جميع أبناء الطائفة السنية “زنادقة”، حتى وإن كان سنيا عاديا غير ملتزم، على حد تعبير الاختصاصي فابريس بالانش.
● “كلنا إخوة” في “سوريا الجديدة”
وأكد مقاتلو “هيئة تحرير الشام”، في جميع المناسبات واللقاءات بأن “جميع السوريين إخوة…لا خوف على أي كان…” وأن “من كانت أيديهم ملطخة بالدماء فروا. ومن بقوا سنبني معهم سوريا الجديدة.”
وقد كرر أحمد الشرع الرسائل الهادفة إلى طمأنة الأقليات المذهبية في البلاد قائلا “إنهم سيعيشون في أمن وسلام”.
هذا، وحض الرجل القوي الجديد في البلاد على نبذ الانتقام خارج نطاق القضاء ضد أفراد النظام القديم.
● علويون ضد الأسد
رفضا للطائفية، وكرها في الأسد أو حتى خوفا من التطرف، يتحدث العلويون المقيمون بالخارج عن رؤيتهم لما يحدث في بلادهم بكل حرية.
أحد أبناء الطائفة العلوية يعيش في النرويج، وهو يشعر بالارتياح بعد سقوط بشار الأسد، لكنه قلق من أن تنتشر عمليات الانتقام في المستقبل.
ويذكر أنه، خلال الحرب، وجدت الأقلية العلوية نفسها محاصرة بين التهديد الجهادي والنظام الذي تنتمي إليه، فالتزمت الصمت.
لكن، على غرار البعض، وقف العديد من النساء والرجال العلويين ضد النظام السوري، ودعموا “الثورة” مخاطرين بحياتهم.
ويتساءل صحفيون “بعد أن أرعبتهم عائلة الأسد بالأمس، ما هو المكان الذي سيحظى به هؤلاء العلويون اليوم في سوريا الإسلامية؟”
علما بأن الجميع أكد، أن لا مضايقات ولا قيود ولا أوامر تفرض ولا مطالبات بغطاء الرأس أو الالتزام بزي محتشم من عناصر أو أفراد الشرطة في الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا، وأن انتقال السلطة والممارسات تثبت، بأن سوريا تتحول للدولة المدينة، وأن سوريا للجميع.
في 2012، وخوفا من بطش السلطات السورية، اضطرت الممثلة واحة الراهب إلى الفرار من سوريا. وقالت نجمة السينما السورية: “الآن، بالطبع أفكر في العودة إلى بلدي”… لكن “فقط” إذا كان هناك انتقال حقيقي نحو سلطة مدنية ووطنية وديمقراطية”.
وفي الأثناء، يحتفل المعارضون العلويون، بنهاية نصف قرن من الدكتاتورية. وعلى حد تعبير صحفي علوي يعيش في باريس”، فإن “سقوط الأسد حلم نأمل ألا يتحول إلى كابوس”.
____________________
www.almenberalhor.com