النساء يسرِّعن جنوح ألمانيا نحو اليمين
![](https://almenberalhor.com/wp-content/uploads/2025/02/9-1-780x470.jpg)
المنبر الحر – هل يتجه نصف الناخبين الألمان إلى إعادة تشكيل الخريطة السياسية؟ هذا ما تشير إليه استطلاعات الرأي الأخيرة، إذ تظهر النساء لأول مرة ميلاً واضحاً نحو الأحزاب المتطرفة. فما الأسباب؟ وما التداعيات؟
أضافت النساء قدراً من الاعتدال على المشهد السياسي الألماني منذ وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، فغالباً ما كنّ يدعمن أحزاب الوسط مثل المسيحيين الديمقراطيين والاشتراكيين الديمقراطيين والخضر، حتى حين بدأ الرجال يميلون نحو اليمين أو اليسار المتطرفين.
لكن هذا واقع يوشك أن يتغير مع دنو الانتخابات المزمعة هذا الشهر، فيما تكتسب الآراء المتطرفة مزيداً من الزخم في التيار السائد. ويسعى حزبان متطرفان ترأسهما نساء لاستقطاب الناخبات، ما ينذر بمستقبل يشتد فيه الانقسام والمواجهة والاستقطاب.
شرحت ليا لوتشاو، من مؤسسة “أماديو أنطونيو” (Amadeu Antonio) الناشطة في مكافحة التمييز، إن وجود نساء في القيادة قد يصرف انتباه الناخبين عن السياسات العدائية والمناهضة للمهاجرين التي تشكل جوهر برامج هذه الأحزاب، مضيفة: “إن ذلك قد يجعل الأحزاب اليمينية المتطرفة تبدو أقل خطورة”.
يُتوقع أن تسفر الانتخابات عن ائتلاف حاكم بين المسيحيين الديمقراطيين والحزب الديمقراطي الاشتراكي الذي ينتمي إليه المستشار أولاف شولتز، لكن استطلاعات الرأي تشير إلى تراجع حزبه إلى المركز الثالث، متأخراً عن حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني.
في المقابل، يهدد صعود “تحالف زارا فاجنكنشت” اليساري المتطرف بإخراج حزب اليسار من البرلمان، وحزب اليسار كان قد أنتجه شيوعيو ألمانيا الشرقية السابقة.
وقد حصل “تحالف زارا فاجنكنشت “، الذي انشق عن حزب اليسار العام الماضي، 6% من أصوات الألمان في انتخابات البرلمان الأوروبي في يونيو، بينما لم يحصد حزب اليسار سوى أقل من نصف ذلك، وهي نسبة أدنى بكثير من عتبة 5% التي تتيح له أن يدخل البرلمان الألماني “بوندستاج”.
فجوة بين الجنسين
بدأت هذه الفجوة بين الجنسين قبل نحو عقد، مع تخلي الرجال عن الأحزاب التقليدية لصالح حزب “البديل من أجل ألمانيا” حديث التأسيس. وبرز هذا الاتجاه بشكل أوضح في المناطق الأفقر الواقعة في الرقعة التي كانت تشكل ألمانيا الشرقية فيما مضى، حيث يشعر كثير من الرجال ذوي التحصيل العلمي الأدنى أنهم يراوحون في مكانهم ويفتقرون إلى فرص عمل.
أدى ذلك إلى تراجع حاد في تأييد اليسار التقليدي، إذ انخفضت شعبية الحزب الديمقراطي الاشتراكي وحزب الخضر وحزب اليسار مجتمعين إلى أدنى مستوياتها منذ إعادة التوحيد قبل 35 عاماً. وقال أنسجار هوده، الباحث في “جامعة كولونيا”: “إن الناس غير راضين بشدة عن الحكومة الحالية”.
لا شك في أن حزب البديل من أجل ألمانيا سيحقق مكاسب كبيرة في انتخابات هذا العام، إذ تتوقع الاستطلاعات أن يحصل على نحو خمس الأصوات، أي ما يقارب ضعف ما حصده في الانتخابات العامة في 2021.
لكن نظراً لتطرف آرائه، إذ إن بعض أعضائه يشيدون علناً بالنازيين، تتردد كثير من النساء في الإفصاح عن دعمهن له، ما يدفع بعض المراقبين إلى توقع أن يحقق نتيجة أقوى حتى من المتوقع. ويشير هوده إلى أنه في انتخابات 2021، لم تعترف سوى 60% ممن صوتن لهذا الحزب بنواياهن للمستطلعين قبل التصويت.
استقطاب النساء
رغم أن حزب “البديل من أجل ألمانيا” تترأسه أليس فايدل، وهي مرتبطة بمهاجرة وُلدت في سريلانكا ونشأت في سويسرا، فإن البرنامج القومي للحزب يعتبر أن دور المرأة يجب أن يكون في المنزل راعيةً لأطفالها. وجاء في بيانه الانتخابي: “في مجتمع (اليقظة)، لا تُعتبر الأمهات ذوات قيمة إلا إن كنَّ عاملات ويتركن أطفالهن في دور رعاية تابعة للدولة طوال اليوم، ويفضل أن يكون ذلك منذ أن يكونوا رضّعاً”.
أما حركة “فاجنكنشت”، فتتبنى موقفاً أقل تقليديةً، إذ تسعى لجذب النساء من خلال دعم فرض قيود على الهجرة وتسليط الضوء على الجرائم التي يرتكبها مهاجرون من الرجال. جاء في برنامجها أن “النساء يتجنبن بعض الشوارع والساحات أو المسابح الخارجية لأنهن لم يعدن يشعرن بالأمان فيها”.
بعد سنوات من تجاهل صعود حزب البديل من أجل ألمانيا، بدأت الأحزاب التقليدية أخيراً في التعامل بجدية مع هذا الجنوح نحو الأحزاب المتطرفة. فقد أعلنت جميعها أنها لن تشارك في ائتلاف مع هذا الحزب، بينما يتردد البعض في التعاون مع حركة “فاجنكنشت”. قد دفع تنامي قوة الحزبين حتى الحزب الديمقراطي الاشتراكي وحزب الخضر إلى اتخاذ مواقف أكثر تشدداً بشأن الهجرة.
أمّا الحزب المسيحي الديمقراطي وبعد 16 سنة من التوجه نحو اليسار تحت قيادة المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، فقد بدأ يميل نحو اليمين، وهذا سيحسن نظرياً من جاذبيته بين الناخبين الذين يفكرون في التصويت لصالح حزب البديل من أجل ألمانيا.
بيّنت نينا فيسه، المستشارة الإعلامية لدى المسيحيين الديمقراطيين أن أنسب طريقة لإعادة جذب الناخبين نحو الوسط، ليست توجيه انتقادات لحزب البديل من أجل ألمانيا؛ بسبب تعاطفه مع النازيين، بل من خلال تسليط الضوء على أن الحزب، رغم تركيزه على وصف مشاكل ألمانيا، نادراً ما يقدم استراتيجيات قابلة للتنفيذ.
قالت: “بالنسبة لي، واضح أنه ليس بديلاً لكن لا بدّ من مواجهتهم على المستوى السياسي، هذه هي الوسيلة الوحيدة الفعّالة”.