“المسكوت ُعنه”… في تاريخ الأردن!!
المنبر الحر – بقلم: رمضان الرواشدة ( الكاتب والروائي)
معَ بداياتِ تشكّلِ وعيي السياسيِّ، في أواخرِ المرحلةِ الثانويّةِ، والدخولِ إلى حرمِ الجامعةِ، أدركتُ أنَّني أميلُ إلى قراءةِ القصصِ والرواياتِ، وقراءةِ التاريخ. ربّما لأنَّ ثمّةَ ارتباطاً بينَ التاريخِ والروايةِ، فحتّى السيرُ الروائيّةُ والشخصيّةُ التي يكتبُها الروائيُّ هي جزءٌ من تاريخِهِ أو تاريخِ الآخرينَ، أو التجاربِ الحياتيّةِ التي مرَّ بها وعايشَها.
ومعَ تقدّمِ الزمنِ يصبحُ الإنسانُ أكثرَ انتقائيّةً في ما يحبُّ، سواءٌ في القراءةِ، أو في الكتابةِ أو حتّى في الأكل والملبس. ووجدتُني أغوصُ في قراءةِ تاريخِ الأردنِّ القديمِ والحديثِ بعدَ تأسيسِ الدولةِ الأردنيّةِ الحديثةِ قبلَ مئةِ عامٍ ونيف؛ لأكتشفَ كيفَ كانَتِ الحياةُ في هذا الجانبِ من العالم، وكيفَ كانَ يرانا الآخرون. فعملتُ وسعي على قراءةِ كلِّ ما أجدُهُ من مؤلّفاتٍ لمؤرّخينَ أردنيّينَ وعربٍ ومستشرقينَ ورحّالةٍ جابوا الأراضيَ الأردنيّةَ في القرنينِ التاسعَ عشرَ والعشرين.
وثمّةَ حقيقةٌ يجبُ أن نعترفَ بها جميعاً، وهي أنَّ الأردنَّ موجودٌ قبلَ تأسيسِ “الإمارةِ” في عام 1921م، حيثُ السكّانُ والامتداداتُ والأحلافُ العشائريّةُ والمتّحدات الفلّاحية والعاداتُ والتقاليدُ والمدنُ والأريافُ والبداوةُ، جميعُها كانَتْ حاضرةً بقوّة، ناهيكَ عن الممالكِ التي سادَتْ في الأردنِّ قديماً، كالمملكةِ العمونيّةِ والمؤابيّةِ والأدوميّينَ والعربِ الأنباطِ.
لعلَّ اللافتَ في كلِّ ما وجدتُ، هو ما يسمّى “المسكوتُ عنه” في التاريخِ الأردنيِّ الحديثِ؛ وأعني الرواياتِ والمرويَّ الشعبيَّ والشفويَّ الذي لم يتمَّ تدوينُهُ أو جمعُهُ أو الاهتمامُ به، سوى صدورِ عددٍ قليلٍ من الكتبِ التي تناولَتْهُ، وربّما لا يحبُّ الكثيرونَ طرقَ هذا البابِ الذي يتعارضُ أحياناً مع ما يكتبُهُ المؤرّخونَ الرسميّونَ.
هذا الأمرُ يتطلّبُ قراراً مؤسسيّاً وذاتيّاً من المنشغلينَ بالهمِّ والوجعِ الأردنيِّ، بجمعِ وتوثيقِ الحكاياتِ والسرديّةِ الأردنيّةِ الشعبيّةِ؛ لأنَّ فيها تأريخاً لبعضِ القضايا والأحداثِ والحكاياتِ التي لم نسمعْها أو قرأناها بصورةٍ مغايرةٍ للحقيقةِ، ممّنْ كتبوا عن تاريخِنا من المؤرّخينَ العربِ والأجانبِ.
إنّني أؤمنُ بأنَّ كلَّ إنسانٍ هو روايةٌ متكاملةٌ تحتاجُ إلى مَنْ يكتبُها، وكذلك هي المرويّاتُ الشفويّةُ التي تحتاجُ إلى مَنْ يكتبُها.
____________________
www.almenberalhor.com