عاجل
كتاب المنبر الحر

الشباب الأردني بين المطرقة والسندان: جيلٌ يُسحق تحت وطأة البطالة والتهميش

المنبر الحر – بقلم: الكاتب والباحث السياسي “د. عوني الرجوب”

في هذا الوطن، يُطلب من الشاب أن يدرس، أن يجتهد، أن يحصل على أعلى الشهادات، لكنه حين يتخرج، يواجه واقعًا أكثر قسوة من أن يُحتمل. يجد أبواب الوظائف مغلقة، والفرص محتكرة، والمستقبل الذي وعدوه به مجرد وهم. كيف لا، وهو يكتشف أن معايير النجاح لم تكن يومًا قائمة على الكفاءة، بل على الواسطة والمحسوبية، حيث تُوزّع الوظائف كما تُوزّع الغنائم بين فئة معينة، بينما يُترك باقي الشباب لمصيرهم المجهول!

التوظيف في الأردن: لعبة الفرص المسروقة

الإعلانات الوظيفية التي تطلقها الجهات الرسمية والخاصة كل عام ليست سوى فخاخ، إذ تُقصي آلاف الشباب عبر شروطٍ تعجيزية، وكأنها مصممة لحرمانهم لا لمنحهم الفرص. شرط العمر مثالٌ فجّ على هذا الظلم؛ فمن تجاوز 25 عامًا مثلا يُصبح خارج الحسابات، وكأن سنوات عمره باتت تهمة! أما المعدل الجامعي، فحاجز آخر يُضاف إلى قائمة القيود، حيث يُقصى من حصل على “مقبول”، رغم أنه اجتاز نفس السنوات الدراسية وخاض ذات التحديات.

من تتوفر فيه الشروط لا يُعفى من المعاناة، فهناك حواجز غير مرئية تُحدد من يُقبل ومن يُرفض: الواسطة، النفوذ، والانتماء العائلي الحظ . الشاب الذي لم يحالفه الحظ هذا العام، سيجد نفسه في العام القادم قد “أصبح كبيرًا في السن”، ليُحكم عليه بالمزيد من التهميش والقهر، وكأن مستقبله يُحدد بساعة زمنية لا ترحم!

تناقض فجّ: لماذا نُخرّج الشباب ثم نغلق أمامهم الأبواب؟

كيف تسمح الجامعات بتخريج آلاف الطلبة بمعدلات مختلفة، ثم يُعتبر بعضهم غير مؤهل حتى للتقديم للوظائف؟ كيف يُطلب من الشباب أن يحلموا بمستقبل أفضل بينما تُغلق أمامهم كل السبل لتحقيقه؟ كيف يُترك مصيرهم رهينة قرارات لا تستند إلى العدالة؟

إنها معادلة جائرة تُنتج شبابًا محبطين، عاطلين، فاقدي الأمل. لا يُمكن لدولة أن تتحدث عن التنمية، بينما تقصي الجيل الذي يُفترض أن يكون محركها الأساسي.

النتيجة: قنابل موقوتة تنتظر الانفجار

حين يُحرم الشباب من أبسط حقوقهم، فإن النتيجة لا تحتاج إلى توقعات أو تحليلات:
• مجتمع يغلي تحت ضغط الظلم والتهميش، ويُدفع دفعًا نحو الانفجار.
• ارتفاع معدلات الجريمة والانحراف، إذ لا يمكن لعاطل محبط أن يبقى صامتًا للأبد.
• هجرة العقول والكفاءات، فحين يُغلق الوطن أبوابه، يرحل أبناؤه بحثًا عن فرصة تليق بكرامتهم.
• تآكل الثقة في الدولة ومؤسساتها، إذ لا أحد يثق في نظام وظيفي يكرّس الظلم بدلًا من العدالة.

هل يعتقد المسؤولون أن هذه الأزمة ستبقى مجرد أرقام في التقارير؟ هل يظنون أن الشباب سيقبلون بهذا الواقع إلى الأبد؟ ام انهم اسماء فقط في تعداد السكان

الحل ليس مستحيلًا، لكنه يحتاج إرادة حقيقية

إذا كان هناك من يملك أدنى حس بالمسؤولية، فإن عليه أن يدرك أن استمرار هذا الوضع يعني أن الأردن يسير نحو أزمة لا يمكن احتواؤها. الحلول واضحة، لكنها تحتاج إلى قرار جريء:

• إلغاء شرط العمر المجحف، فليس من المنطق أن يُحرم شخص من العمل لمجرد أنه تجاوز حدًا زمنيًا تعسفيًا.

• التعين ببدأ من المتقدم بالعمر اولا ومن ثم الاقل تدريجيا وحتى لا تضيع عليه الفرص ويصبح كهلا ومازال يبحث عن وظيفه.

• إعادة النظر في معايير التوظيف، بحيث تكون الكفاءة هي الأساس، لا العلاقات والمعدلات الشكلية.

• محاربة الفساد والواسطة، فلا إصلاح ممكن دون قطع دابر المحسوبية التي تقتل أحلام الشباب.

• خلق بيئة اقتصادية قادرة على استيعاب الخريجين، بدلًا من الاعتماد على قطاع حكومي عاجز عن التوظيف.

رسالة إلى من يملكون القرار: كفاكم صمتًا!

الشباب الأردني لم يعد يملك الصبر، ولم يعد يقبل بالوعود الفارغة. إذا لم تُتخذ قرارات جذرية اليوم، فإن الغد لن يكون كما تتمنون. إن الضغط يولّد الانفجار، والانفجار قادم لا محالة إن استمر هذا التجاهل.

أيها المسؤولون، أعيدوا الحقوق لأصحابها قبل أن يتحول الغضب إلى انتفاضة جوع وقهر وحرمان لن يستطيع أحد إخمادها!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!